FINANCIAL TIMES

الطقس ومسار «الاحتياطي الفيدرالي» .. التأثير كبير

الطقس ومسار «الاحتياطي الفيدرالي» .. التأثير كبير

كيف يتشكل عام 2023 في الأسواق المالية بعد مرور شهرين ونصف تقريبا؟ يلخص بنك أوف أمريكا الأمر جيدا باقتباس من مستثمر (مجهول الهوية مع الأسف): "إنه مثل مشاهدة حمار مجنون يتخبط في حقل ويرتطم بالأسوار".
إن دل هذا التشبيه على شيء، فإنه قد يكون قاسيا قليلا على الحمير المجنونة، رغم أنه للإنصاف، عرقلة مسارها كانت جزئيا على الأقل بسبب عامل لم يكن أحد يتوقعه: الطقس.
لقد اعترف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جاي باول، بهذا الأمر الأسبوع الماضي. في بداية شهادته السنوية أمام الكونجرس الثلاثاء، عرض مشهد الظروف الاقتصادية وأشار إلى أن البيانات من الأشهر الأولى لعام 2023 كانت تبعث التفاؤل.
قال: "إن التوظيف والإنفاق الاستهلاكي والإنتاج الصناعي والتضخم قلبوا جزئيا الاتجاهات المنخفضة التي رأيناها في البيانات قبل شهر واحد فقط"، مضيفا أن "بعضا من هذا الانقلاب يعكس على الأرجح الطقس الدافئ غير المعتاد في كانون الثاني (يناير) في كثير من أنحاء البلد".
لقد ساعد هذا على إعادة فكرة رفع أسعار الفائدة الأمريكية إلى الأجندة مرة أخرى، ما وجه ضربة جديدة لأسعار السندات. الطبيعة ليست مسؤولة بالكامل هنا بالطبع، لكن تأثيرها كبير في المسار الذي يحتمل أن يتخذه الاحتياطي الفيدرالي مستقبلا.
أظهرت بيانات يناير، أن الاقتصاد الأمريكي أضاف أكثر من نصف مليون وظيفة. وأظهرت أرقام شباط (فبراير) التي صدرت الجمعة، أنه أضاف 311 ألف وظيفة بعد ذلك مباشرة. من المحتمل أن يكون ارتفاع معدل البطالة في فبراير كافيا لإقناع الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في زيادات أصغر وليست أكبر، لكن مع ذلك، من الواضح أن وظيفته المتمثلة في تشديد السياسة لم تنجز بأي شكل.
لطالما علم المستثمرون المتمرسون برهاناتهم واستثماراتهم أن الطقس مهم للأسواق. ليس من قبيل المصادفة أنه في 2018، جمع صندوق التحوط سيتادل المملوك لكين جريفين فريقا مكونا من 20 عالما ومحللا لإصدار توقعات الطقس. لقد ساعدت هذه المعرفة عالمية المستوى "سيتادل" على تحقيق ما يصل إلى ثمانية مليارات دولار من الرهانات على الغاز والطاقة وأسواق السلع الأخرى العام الماضي وحده، وهي جزء من مكاسب الصندوق المذهلة التي بلغت 38 في المائة في 2022.
إن هذا مثال متطرف. لكن الطقس أصبح عاملا محركا للسوق يظهر في أحاديث مديري الصناديق بشكل متكرر الآن أكثر من أي وقت آخر، خاصة فيما يتعلق بالفترة المعتدلة غير المعتادة التي ساعدت أوروبا على تفادي فواتير الوقود السيئة التي تحفز الركود خلال فترة الشتاء.
إن روبرت ديشنر، كبير مديري المحافظ في فريق الدخل الثابت متعدد القطاعات في شركة نيوبرجر بيرجمان الاستثمارية، لا يقضي أيامه في التأمل في الخطوط المتعرجة على خرائط الطقس. يقول: "ليس لدينا فريق من خبراء الأرصاد الجوية. لكننا ننتبه فعلا لذلك. لدي رسم بياني على شاشتي لأسعار الغاز والكهرباء".
يتعلق كل هذا بأكبر محرك منفرد لكل فئة من فئات الأصول في العالم في أعقاب عمليات الإغلاق التي تسببت فيها الجائحة. "علينا أن نفهم، ماذا يعني هذا بالنسبة إلى التضخم الكلي؟"
قال ديشنر: "إن 25 في المائة من سوق السندات الحكومية مرتبطة بالتضخم، لذا هذا مهم". من جانبه، قال زميله سيمون ماثيوز، الذي يركز على الديون ذات العائد المرتفع للشركات، إن الطقس وتأثيره في تكاليف الوقود، هما المفتاح لتقييمه لمخاطر التخلف عن السداد بين الشركات عالية المخاطر. "لقد كانت الطاقة أحد أكبر الموضوعات التي كانت فرق إدارة الشركة تتحدث عنها العام الماضي. فإذا لم يكن تحوطك ضد أسعار الطاقة صحيحا، فسيكون لذلك تأثير كبير في أرباحك"، كما قال.
والآن بعد أن تلاشى المد المتصاعد من الأموال السهلة الذي ينتشل جميع القوارب في أسواق الائتمان، فإن هذا النوع من الاستراتيجيات الخاصة بالشركات هو أكثر أهمية بكثير.
كما أن التأثير المرتبط بالطقس في أسعار الفائدة ارتد إلى الأسواق الأوسع الأسبوع الماضي عبر قناة أخرى، عندما عانى سيليكون فالي بانك، مقرض صغير في كاليفورنيا يركز على شركات التكنولوجيا، خسارة كبيرة فيما يتعلق بحيازاته من سندات الخزانة الأمريكية وأغلقته الجهات التنظيمية.
إن السوق المتفائلة التي شعرت بأن الاحتياطي الفيدرالي يدعمها من المحتمل أن تتجاهل مشكلات "سيليكون فالي بنك" مهما كانت: لقد كانت مشكلات البنك متجذرة في نموذج عمله. بالأحرى، انتهى بنا المطاف ببيع كثيف لأسهم البنوك في جميع أنحاء الولايات المتحدة ولاحقا في أوروبا، مدعومين بفكرة أن البنوك الأخرى الأكبر بكثير قد تواجه ضغوطا مشابهة إذا خفضت قيمة السندات في دفاترها.
يتفق مديرو الصناديق كلهم تقريبا على أن السردية مبالغ فيها إلى حد كبير.
كان "سيليكون فالي بنك" صغيرا، ولديه "قاعدة ودائع مركزة للغاية"، كما يقول سياران كالاجان، رئيس أبحاث الأسهم الأوروبية في شركة أموندي لإدارة الأصول. ولم يكن "مستعدا للتدفقات الخارجة للودائع، ولم تكن لديه السيولة المتاحة لتغطية عمليات استرداد الودائع، وبالتالي اضطر إلى بيع السندات قبل موعد استحقاقها، وهذا أدى إلى رفع رأس المال وإيجاد العدوى. إن هذه حالة منفردة خاصة إلى حد كبير ".
لكن الانحراف المستمر في أسواق السندات يظهر الآن أن الحال المزاجية "متقلبة"، كما يقول كريج إنشيز، رئيس أسعار الفائدة والنقد في شركة رويال لندن أسيت مانجمنت الاستثمارية.
لا يمكن لخرائط الطقس أن تخبرك إذا ومتى سيتعثر أحد البنوك الإقليمية الأمريكية التي تعتمد بشدة على التكنولوجيا، على الرغم من أن بعض المهووسين بالأرصاد الجوية الذين يحصلون على تعويضات سخية في صناديق التحوط قد يحاولون معرفة ذلك. لكن كل هذا تذكير بأن أي عوامل هامشية كالفضول الفني أو فصول الشتاء الدافئة بشكل غريب يمكن أن تؤدي إلى إحداث فرق في سوق تقف على حافة الهاوية بشأن ما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي تاليا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES