Author

طيران الرياض وتنوع القوة

|

 

قطعت سوق السفر الجوي رحلة سريعة نسبيا منذ أول رحلة نفذها الأخوان رايت، مع ما قدمه الطيران الجوي من إنجازات خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. وقادت هذه الرحلة نحو ابتكار سريع للمحركات النفاثة، وأجيال من الطائرات التجارية التي جعلت السفر الجوي جزءا لا يتجزأ من حياتنا. وبعدما كان الطيران والهبوط بأمان وزمن قياسي المعيارين الأساسين لخطوط الطيران الناجحة، فإن المنافسة اليوم تـأخذ أبعادا أخرى لم تعد أقل أهمية، فالتقنيات الحديثة أحدثت ثورة وتغييرا جذريا في اقتصادات السفر الجوي، مع الأخذ في الحسبان أن السفر الجوي لم يعد يعني الطيران فقط، ولا تلك الطائرة التي تحمل أعدادا متزايدة من الركاب، بل تجربة كاملة من لحظات الحجز الأولى بتطبيقات تقنية حتى لحظة الخروج من صالات المطار في محطات الوصول. 

وأصبح تأثير هذه الرحلة شديد الوضوح بشأن اختيارات الناس لإجازاتهم وتخطيطهم للرحلات السياحية، فدخول التكنولوجيا يغير تجربة العملاء بجعل رحلتهم أكثر راحة ومتعة، لكن هذا يتطلب تحولات وإعادة صياغة البنى التحتية بشكل كامل من أجل الاستفادة من الممكنات الرقمية الحديثة التي أصبحت من أهم متطلبات السفر في المطارات الحديثة، لأجل المساهمة في تتبع كثير من القضايا التي تتعلق بالأمراض سريعة العدوى، أو المطلوبين في قضايا الأمن والإرهاب، أو غير ذلك، ما يسهم في تجنب التأخير للآخرين وتحقيق أقصى درجات الراحة لهم. لذلك تتجه المطارات الحديثة نحو تعزيز القياسات الحيوية، مثل التعرف على الوجه، وتقنيات مسح شبكية العين، وإجراء عمليات التحقق رقميا في جميع إجراءات تسجيل الوصول للرحلة، حتى الصعود على متن الطائرة، وتمكين الركاب من متابعة حقائبهم وتسلم الأمتعة، وكل هذا من خلال الذكاء الاصطناعي، وتقنيات البيانات.

وواجهت جميع خطوط الطيران العالمية تحديا مع انتشار فيروس كورونا، حيث توقف السفر تماما، نظرا إلى الإجراءات الاحترازية، وشكك كثير في قدرة هذه الصناعة على العودة السريعة إلى ما قبل الجائحة، لكن تقديرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي «إياتا»، تشير إلى أن النمو السنوي في الصناعة ارتفع 67 في المائة في كانون الثاني (يناير) 2023 مقاسا بالمسافة (كيلومتر للركاب)، وهذا النمو الملحوظ يأتي مع انتعاش الطلب العالمي إلى 84.2 في المائة من مستويات ما قبل الوباء، كما زادت السعة المقاسة بالمقاعد المتوافرة 35.5 في المائة على أساس سنوي، ويتوقع اتحاد النقل الجوي تسارع النمو السنوي ليصل إلى 97.4 في المائة من مستويات ما قبل الوباء.

كل هذه التحولات الأساسية والمعطيات المطروحة والموضوعات الاستراتيجية المهمة في عالم الطيران ترسم ملامح جديدة لهذا القطاع في المستقبل، ومن الصعب لأي خطوط طيران أو مطارات قائمة أن تسابق الزمن وتصبح جاهزة في كل هذه الموضوعات دون أن تتحمل تكلفة باهظة، ولهذا ستكون حظوظ المطارات وشركات الطيران الجديدة مفتوحة بالفوز بحصص أكبر من السوق العالمية.

في هذا السياق يمكن قراءة ما أعلنه الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، بخصوص تأسيس صندوق الاستثمارات العامة شركة «طيران الرياض»، الناقل الجوي الوطني الجديد، للإسهام في تطوير هذا القطاع وتعزيز موقع المملكة الاستراتيجي الذي يربط بين ثلاث من أهم قارات العالم: آسيا، إفريقيا، وأوروبا، والعمل على رفع القدرة التنافسية للشركات الوطنية وفق مستهدفات رؤية السعودية 2030. هذا القرار في هذا التوقيت المناسب للغاية يأتي بعد إطلاق المخطط العام لمطار الملك سلمان الدولي، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ليكون جسرا يربط الشرق والغرب بما يرسخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي، وواحدا من أكبر المطارات في العالم، وسيمتد على مساحة تقارب 57 كيلو مترا مربعا.

هذا المطار العالمي العملاق بحاجة إلى زيادة في مقاييس مسافة السفر للركاب، وفي السعة المقاسة بالمقاعد المتوافرة، والاستفادة القصوى من تقنيات الذكاء الاصطناعي في الطيران. ولهذا جاء إعلان تأسيس شركة «طيران الرياض»، في وقته الصحيح كناقل جوي وطني، وقوة جديدة تعزز قطاعات النقل والخدمات اللوجستية والتجارة والسياحة، وتتخذ من العاصمة مركزا رئيسا لإدارة عملياتها التشغيلية، ومنطلقا لرحلاتها، عبر امتلاك أسطول طائرات متطورة، وتستهدف تطبيق أفضل ممارسات الاستدامة والسلامة المعتمدة عالميا في مجال الطيران، إلى جانب توفير أحدث التقنيات الرقمية للريادة في هذا المجال، ولإثراء تجربة المسافرين عبر رحلات تصل إلى أكثر من 100 وجهة عالمية بحلول 2030، وستقدم مستويات استثنائية من الخدمات المتكاملة، ممزوجة بطابع الضيافة السعودي الأصيل، بما يعزز من فرص تنمية القطاع السياحي في المملكة، ودعم جهود تنويع الاقتصاد الوطني، مع ما ستسهم فيه شركة «طيران الرياض» من نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة بقيمة تصل إلى 75 مليار ريال، واستحداث أكثر من 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. 

ولضمان أعلى معايير النجاح والتوافق بين المشاريع الاستراتيجية الكبرى في المملكة، فقد جاء الإعلان بأن تكون الشركة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، ويرأس مجلس إدارتها محافظ صندوق الاستثمارات العامة، وذلك لتسهم قدرات الصندوق المالية وخبراته الاستثمارية، في تمكين الشركة من التوسع في عملياتها التشغيلية، في ظل وجود نخبة من الخبراء المحليين والدوليين.
 

إنشرها