FINANCIAL TIMES

صيف مزدهر أمام شبابيك دور السينما

صيف مزدهر أمام شبابيك دور السينما

صيف مزدهر أمام شبابيك دور السينما

بعد ثلاثة من أسوأ الأعوام المسجلة في تاريخ صناعة الأفلام، كان هناك شعور ملموس تقريبا بالارتياح في هوليوود، عندما ظهر اثنان من الأفلام الرائجة الأصيلة في قائمة الأفلام المرشحة لأفضل فيلم لهذا العام في جوائز الأوسكار الأحد.
كثيرا ما تجاهلت جوائز الأوسكار الأفلام التجارية الكبيرة لمصلحة تكريم الأفلام المستقلة، لكن ترشيحات هذا العام لفيلمي توب جن: مافريك، وأفاتار: ذا واي أوف ووتر -وهما بالفعل اثنان من أعلى الأفلام ربحا على الإطلاق- بدت كأنها تثبت وجهة نظر حول شيء أكبر من مجرد صناعة أفلام عالية الجودة.
إذ أثبت الفيلمان أنه حتى في عصر البث المباشر، ما زالت الأفلام قادرة على جذب الجماهير إلى صالات السينما المظلمة. توم كروز، الذي لعب دور البطولة وشارك في إنتاج فيلم توب جن، أوقف إصدار الفيلم لمدة عامين خلال الجائحة من أجل تأمين فترة عرض في السينما بدلا من إطلاق الفيلم مباشرة إلى منصات البث المباشر، ممارسة تبناها كثير من الاستوديوهات لزيادة عدد الاشتراكات في خدماتها. أوضح جيمس كاميرون، مخرج ومنتج فيلم أفاتار، أيضا أن فيلمه ثلاثي الأبعاد كان من المفترض أن يشاهد على الشاشة الكبيرة، وليس في غرفة المعيشة.
الآن، في أعقاب نجاح الأفلام، تعيد استوديوهات هوليوود الكبرى -التي يواجه معظمها ضغوطا شديدة من المستثمرين لوقف الخسائر في أعمالها في مجال البث المباشر بحلول العام المقبل- اكتشاف سحر عوائد شباك التذاكر القديمة. في هوليوود، حيث قوض أنموذج شركة نتفليكس مصادر الدخل التقليدية، يبدو هذا كأنه دفاع.
يقول ريتش جلفوند، الرئيس التنفيذي لشركة آي ماكس "أشار كل استوديو وكل منصة بث مباشر تقريبا إلى أنه سيرسل جميع أفلامه إلى دور السينما أولا، ثم إلى خدمة البث المباشر. الحقيقة هي أن العرض في دور السينما يحسن من العرض على منصة البث المباشر. كان المبرمجون ساذجين عندما ظنوا أن الناس سيجلسون على أرائكهم ويشاهدون جميع المحتويات الموجودة. لقد صححت السوق من نفسها".
يبدو أن اثنين من أكبر الرؤساء التنفيذيين في هوليوود هما بوب إيجر من شركة ديزني، وديفيد زاسلاف من شركة وورنر براذرز ديسكفري، قد أدارا ظهريهما لتجارب البث المباشر الأكثر تطرفا التي تم إطلاقها خلال السباق المحموم للحصول على المشتركين. شمل ذلك إطلاق الأفلام على خدمات البث المباشر الخاصة بهما في تاريخ العرض نفسه في دور السينما، وفي بعض الأحيان وضع الأفلام الطويلة على منصات البث المباشر دون إطلاقها في دور السينما بتاتا.
الآن يرغبان في الدخول بقوة في إصدارات دور السينما الرائعة. إيجر، رئيس شركة ديزني المخضرم الذي خرج بعد تقاعده ليعود مرة أخرى إلى الشركة في تشرين الثاني (نوفمبر)، يقول "إنه سيميل إلى سلسلة الأفلام الأكثر ربحية للشركة -بما في ذلك مارفيل، وبيكسار وستار وورز- بينما سيرعى بقوة إنتاجها الترفيهي العام".
قال بوب إيجر هذا الأسبوع في مؤتمر للمستثمرين "إذا نظرتم إلى مسار إنتاج شركة مارفيل خلال الأعوام الخمسة المقبلة، فسترون كثيرا من الحداثة. سنعود إلى سلسلة أفنجرز (الأبطال الخارقون) السينمائية لكن بمجموعة مختلفة بشكل كامل من أفلام أفنجرز (...) ما زلنا نعمل على تطوير أفلام ستار وورز".
مع ذلك، فإن المخاطرة تكمن في أنه عبر الرهان على عدد من الأفلام الرائجة المحتملة، سينتهي الأمر بإهمال الاستوديوهات أفلام السوق المتوسطة والأفلام المستقلة التي يعتقد بعض المديرين التنفيذيين أنها شريان الحياة لهذه الصناعة.
يقول توم روثمان، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة سوني بيكتشرز موشن بيكتشرز جروب، "إنه يتعين على الاستوديوهات إيجاد توازن بين الأفلام الكبيرة ذات الميزانيات العالية والعوائد الضخمة والأعمال الأكثر حداثة".
أخبر "فاينانشيال تايمز"، "الأجزاء الثانية وأفلام الأبطال الخارقين مهمة، وربما ستكون نصف لائحتنا. لكن ما هو مهم للغاية أيضا هو ألا نتخلى عن الأصالة. هناك شيء يمكن أن يقتل صناعة الأفلام، هو ليس كوفيد، وليس البث المباشر أيضا، بل إن التهديد الحقيقي لصناعة الأفلام هو إذا توقفت عن المخاطرة من أجل منتجها الأصلي".
التركيز على سلاسل الأفلام
تأتي جوائز الأوسكار هذا العام في وقت تعاني فيه استوديوهات هوليوود ترنحا خطيرا بعد أعوام من الاستثمار في الأموال الرخيصة في عمليات البث المباشر. مع بقاء الجميع عالقين في منازلهم اثناء الجائحة، ارتفعت معدلات الاشتراكات، وشجعت وول ستريت على ذلك.
لكن الحفل انتهى في أوائل الربيع الماضي، عندما قالت شركة نتفليكس "إن النمو المتواصل في عدد مشتركيها الذي استمر عشرة أعوام قد وصل إلى نقطة لا يستطيع عندها تحقيق مزيد". فجأة، أراد المستثمرون أن يروا طريقا للأرباح في خدمات البث المباشر، وأصبحوا قلقين بشأن أكوام ديون الاستوديوهات، بما في ذلك الديون في شركة وورنر بروذرز ديسكفوري وشركة ديزني. لم يساعد توقف الانتعاش في شباك التذاكر، حيث انخفضت العوائد بمقدار أربعة مليارات دولار العام الماضي عن عام 2019.
لا عجب، إذن، أن الاستوديوهات تتطلع إلى إعادة تنشيط سلسلة أفلامها الكبيرة، وهذا أقرب شيء إلى رهان أكيد يمكن أن يجده مدير تنفيذي في استوديو هوليوود، حتى مع تكاليف الإنتاج المرتفعة. ساعد إيجر على إدخال حقبة جديدة من الأفلام الرائجة عبر عمليات الاستحواذ الجريئة على شركات مارفيل، ولوكاس فيلم وبيكسار، ما منح شركة ديزني مجموعة تحسد عليها من الملكية الفكرية. كانت النتيجة سلسلة من بعض الأفلام الأكثر ربحا على الإطلاق، بما في ذلك فيلم ستار وورز: ذا فورس أويكنز الذي أنتج في 2015، وفيلم أفنجرز: إنفنيتي وور أُنتج في 2018، وفيلم أفنجرز إيندجيم أنتج في 2019.
بالنسبة إلى الاستوديوهات التقليدية، فإن إعادة شباك التذاكر لكونه الأكثر أهمية يصلح أيضا ما عده كثيرون أحد أفظع الأخطاء في الأعوام القليلة الماضية: التضحية بملايين الدولارات من مبيعات تذاكر دور السينما من أجل جذب مشتركين جدد على منصات البث المباشر. الآن أصبح من المفهوم داخل الاستوديوهات أن هذه كانت فرضية معيبة. يساعد وضع القوة التسويقية وراء الإصدار في دور السينما على جذب الانتباه إلى الأفلام بمجرد وضعها على منصة البث المباشر.
يسلط المرشحون في فئة "أفضل فيلم" لهذا العام الضوء على الفجوة المالية الهائلة بين سلسلة أفلام هوليوود ذات الميزانيات الضخمة التي تدر الأموال والأفلام ذات الميزانيات المتوسطة التي غالبا ما تحتفي بها الأكاديمية. حيث حقق فيلم أفاتار أرباحا تصل إلى 2.3 مليار دولار في شباك التذاكر العالمي، في حين حقق فيلم توب جن -الذي لم يستفد من الإصدار في الصين- 1.5 مليار دولار.
مقارنة بتلك المبالغ، فإن مبلغ 28.8 مليون دولار الذي جناه الفيلم المرشح في فئة أفضل فيلم لستيفن سبيلبرج، ذا فابلمانز، في شباك التذاكر، يبدو كمبلغ تافه. وقد حقق فيلم الكوميديا السوداء، تريانجل أوف سادنيس، أقل مبلغ من بين الأفلام المرشحة في فئة أفضل فيلم، بمبلغ 4.5 مليون دولار، على الرغم من نجاحه بين النقاد. وحقق الفيلم الحاصل على أكبر عدد من الترشيحات -إيفرثنج إيفري وير أول أت ونس- أرباحا قوية تبلغ 88 مليون دولار، وفقا لمجموعة البيانات كوم سكور.
قال بعض المحللين "إن شركة ديزني قد ركزت كثيرا على أفلام مارفيل، ولا سيما أنها سعت إلى إنشاء محتوى أصلي لخدمة البث المباشر ديزني بلس".
أشار بوب إيجر إلى أنه قد يحاول أن يكون أكثر حكمة بشأن تشغيل أفلام مارفيل المتفرعة. وقال "عادة ما تنجح الأجزاء الثانية بشكل جيد بالنسبة إلينا، لكن هل نحتاج إلى جزء ثالث أو رابع، على سبيل المثال؟ أم أن الوقت قد حان للجوء إلى شخصيات أخرى؟ لا يوجد شيء بأي حال من الأحوال سيئ بطبيعته فيما يتعلق بعلامة مارفيل التجارية. أعتقد أنه يتعين علينا فقط أن ننظر إلى الشخصيات والقصص التي نقوم بالتنقيب عنها".
يتبع زاسلاف مسارا مشابها، قائلا" إنه تواق إلى إعادة إنتاج سلسلة سوبرمان وهاري بوتر". إذ قال للمستثمرين الخريف الماضي "سنركز حقا على سلاسل الأفلام. قدمت أفلام دي سي وأفلام هاري بوتر كثيرا من الأرباح للأفلام المتحركة من شركة ورنر بروز على مدار الـ25 عاما الماضية".
حماسة من أجل فيلم مستقل
مع احتمال إنتاج مزيد من الإصدارات لسلاسل أفلام الأبطال الخارقين، يتساءل البعض عن مقدار المساحة المتاحة للأفلام منخفضة الميزانية ومتوسطتها. قد تواجه هذه الأفلام الأساسية -مثل الكوميديا الرومانسية، والمسلسلات الدرامية في قاعة المحكمة، والأفلام المستقلة والأفلام الجادة للبالغين- وقتا أكثر صعوبة في الحصول على إصدار في دور السينما مع استوديوهات هوليوود في وضع خفض التكاليف بعد أن استثمرت مليارات في خدمات البث المباشر الخاصة بها.
قالت ليا بومان، المؤسسة المشاركة لشركة تانجو المستقلة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، "إنه في مهرجان صن دانس السينمائي الأخير، لم أشعر بأن هناك قدرا كبيرا من توزيع الثروة بين الأفلام".
تقول "لقد تركزت بشكل كبير على فيلم واحد أو فيلمين. لذلك أشعر أن ذلك قد يكون انعكاسا لخفض التكاليف أو شعور الناس بأنهم لا يريدون القيام بخطوة خاطئة".
لكن البعض في الصناعة يأملون أن يتحول التوازن قريبا بعيدا عن الأفلام الرائجة. وتقول بومان، التي تضمنت أفلامها الأخيرة فيلمي أفتر صن وفيلم ويرد: ذا أيه آي يانكوفيك ستوري، الذي نال استحسان النقاد، "إن الناس من جانبها في عالم الأفلام يشعرون بالتفاؤل مع عودة مزيد من الناس إلى دور السينما. إن ما فعله فيلم توب جن: مافريك للأفلام السائدة، فعله فيلم إيفريثينج إيفري وير أول أت ونس للأفلام المستقلة". فبالنظر إلى أنه صدر عن استوديو نيويورك المستقل أيه 24، فقد كان فيلم إيفريثينج إيفري وير أول أت ونس الفيلم الأكثر نجاحا لهذا العام. تدور أحداثه حول قصة جامحة لعائلة آسيوية أمريكية عادية تسافر عبر عوالم متعددة.
وتضيف بومان "أشعر بأنه جدد حماس الجمهور للأفلام الأصغر. لقد كان دفعة حماس لجانبنا من الصناعة".
يقول روثمان في شركة سوني، وهو رئيس الاستوديو الوحيد الذي قرر إيقاف حروب البث المباشر وبيع المحتوى لجهات البث المباشر بدلا من ذلك، "إن الجماهير بدأت بالفعل في العودة إلى مشاهدة الأفلام متوسطة الميزانية". واستشهد بالأداء الأخير الذي قدمه الاستوديو الخاص به لفيلم آ مان كولد أوتو، بطولة توم هانكس، الذي حقق نحو مائة مليون دولار. وأشار أيضا إلى أن فيلم كوكين بير الذي أنتجته شركة يونيفيرسال وفيلم الرعب ميجان قد أبليا بلاء حسنا في شباك التذاكر، إلى جانب فيلم 80 فور برادي من إنتاج شركة باراماونت.
وأضاف "هناك بالفعل كثير من الأفلام الأصلية متوسطة الميزانية التي حققت نجاحا كبيرا حتى في الأشهر الستة الماضية. كون الجماهير لا يريدون سوى الأجزاء الثانية وأفلام الأبطال الخارقين أمر غير صحيح على الإطلاق".
يقول جلفوند "إنه يرى إمكانية أن يعمل الاقتصاد المتغير للأعمال على تعزيز الأفلام الصغيرة". ويقر بأنه في الأعوام العديدة الماضية سيطرت الأفلام الرائجة على هذا الاتجاه "وابتعدت عن الأفلام الصغيرة". لكنه يعتقد أن التغيير في نماذج الاستوديوهات الكبرى -حيث يوجد عدد أقل من الأفلام المصممة حصريا للبث المباشر- ينبغي أن يوفر المال لإنتاج أفلام سينمائية أصغر.
وأضاف "أعتقد أن البندول سيبتعد قليلا عن الأفلام الرائجة الآن، بالنظر إلى أن مزيدا من صانعي المحتوى سيصنعون أفلاما لعرضها في دور السينما ثم عرضها على خدمة البث المباشر لاحقا. أعتقد أن اقتصادات خدمات البث المباشر ستسمح لهم بإنتاج مزيد من الأفلام السينمائية الصغيرة".
دفعة أخرى لصناعة الأفلام هذا العام: مزيد من الأفلام. يقول بول درجارابديان، المحلل في مجموعة كوم سكور، "إن الاضطراب في إنتاج الأفلام جراء الجائحة سيبدأ في الانخفاض في 2023". في العام الماضي، كان هناك 41 إصدارا وطنيا أقل في الولايات المتحدة مما كان عليه في العام ما قبل الجائحة في 2019، ويتوقع زيادة 30 فيلما عن العام الماضي إلى نحو مائة إصدار.
"من المفترض أن يؤدي هذا إلى تحقيق عوائد في شباك التذاكر بقيمة تسعة مليارات دولار، وهو ارتفاع كبير من 7.5 مليار دولار العام الماضي، لكنه لا يزال أقل بكثير من الرقم القياسي على الإطلاق البالغ 12 مليار دولار في 2018". كما يقول درجارابديان.
لكن روثمان يعتقد أن عودة ظهور الأفلام ستكون أقوى من ذلك. إذ يعتقد أنه في 2023 سيصل "إلى مستويات قريبة" من مستويات ما قبل الجائحة في 2019، على الأقل في الولايات المتحدة.
ويضيف روثمان: "الذهاب إلى السينما عائد وبقوة. إننا على وشك رؤية ما سيكون صيفا مزدهرا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES