Author

هل تجاوزت أوروبا الأسوأ؟

|

الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها بلا شك على الاقتصاد الأوروبي، وعلى شرايين الطاقة التي تغذيها، خصوصا أن أوروبا تعتمد بصورة كبيرة على الإمدادات الروسية من النفط والغاز قبيل هذه الأزمة، حيث أثرت بشكل كبير في منتجات الطاقة في أوروبا، وعلى رأسها الغاز، الذي ارتفعت أسعاره إلى مستويات قياسية بنحو 1000 في المائة خلال العام الماضي، ما أدى بطبيعة الحال إلى تعثر بعض المصانع ومعاناة كثير منها، حيث ارتفعت فاتورة الكهرباء إلى خمسة أضعاف في بعض دول أوروبا! قبل الشتاء تعاطى الإعلام -في رأيي- بشيء من المبالغة حول تأثير توقف الإمدادات الروسية من النفط والغاز في أوروبا، وأن زمهرير الشتاء سيؤدي إلى كارثة اقتصادية واجتماعية لأوروبا، لكن هل الواقع يقول ذلك ونحن نقف على بعد أسابيع قليلة من خروج فصل الشتاء؟ في رأيي، أن الماكينة الإعلامية هي جزء لا يتجزأ من الأسلحة التي تسلطها أطراف الحرب على بعضها، وهذا ما شاهدناه خلال الفترة السابقة.
فالماكينة الإعلامية الروسية صورت أن أوروبا ستنحر من الوريد إلى الوريد بسبب تعطل شرايين الطاقة الروسية التي تغذي أوروبا، في محاولة لتأليب الرأي العام الأوروبي ضد صناع قراره حول هذه الحرب للضغط عليهم لتخفيف وتيرة التصعيد والعقوبات الاقتصادية عن روسيا.

في المقابل، سعت ماكينة الإعلام الأوروبية خصوصا، وماكينة الإعلام الغربية عموما، لرسم ملامح انهيار روسيا وانهيار اقتصادها بسبب العقوبات المفروضة عليها بسبب اجتياحها أوكرانيا، بحسب زعمهم.
بعيدا عن الأجندات الإعلامية وأهدافها خلال هذه الحرب، رأينا على أرض الواقع أن دول أوروبا تحركت بسرعة ووضعت خططا للطوارئ قبل دخول فصل الشتاء، فبعض الدول أخطرت بعض المدن عن وجود عجز متوقع في فصل الشتاء قد يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي عن بعض الأجزاء، ودول أخرى بدأت برامج توعوية مكثفة لحث المستهلكين على الترشيد خلال فصل الشتاء لشح الإمدادات، وتحركت دول أوروبا لإيجاد بدائل عن النفط والغاز الروسي، الذي استفادت منه شركات الغاز الأمريكية! روسيا كذلك -في رأيي- رغم العقوبات الاقتصادية إلا أن اقتصادها لم ينهر، كما توقع البعض، ولم تصب أنشطتها المالية والاقتصادية بشلل، رغم تأثر الطرفين بلا شك إلا أن الواقع -في رأيي- أقل وطأة مما تم تصويره من قبل الطرفين، لكن هل يعني ذلك أن الأسوأ قد مضى؟ يرى ستبازينسكي، وهو كبير محرري أسواق السلع لدى وكالة بلومبيرج، أن أوروبا وآسيا نجحتا في تجنب أزمة نقص إمدادات الغاز خلال فصل الشتاء الحالي، وأن هناك تراجعا للمخاوف من اللجوء إلى قطع التيار الكهربائي بصورة دورية بشكل دوري بسبب تراجع الطلب الصناعي على الطاقة، نتيجة ارتفاع أسعارها لمستويات قياسية.
يرى أيضا أن الوقت لم يحن بعد للاحتفال بانتهاء أزمة الطاقة، حيث سيظل العالم يعاني نقص إمدادات الغاز الطبيعي حتى 2026، في ظل استمرار توقف ضخ الغاز الطبيعي الروسي لأوروبا، في حين لا توجد مشاريع جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال يمكن أن تدخل الخدمة قريبا.
أرى أن استمرار أزمة إمدادات الغاز في أوروبا منوط باستمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي أتوقع أنها ستصل إلى انفراجة ولو جزئية قبل 2026، لكون طرفي النزاع ليسا في أفضل حالتيهما الاقتصادية لإطالة أمد الأزمة، والعلم عند الله.

إنشرها