Author

التعلم من التجارب بطرق خاطئة

|

هناك طرق مختلفة للتعلم من التجارب. نحن نتعلم مما نرى ونشاهد، نتعلم من أخطائنا وكذلك من أخطاء الآخرين. وننظر أيضا إلى ما ننجح فيه ونحاول تكراره، ونستفيد كذلك مما ينجح فيه الآخرون، ونستلهم من قصص نجاحهم ما نستخدمه كمعرفة عملية وما نستفيد منه كحافز ومشجع للتقدم في الاتجاه الذي نرغب فيه. لهذا يمكن التعلم بالتجربة الشخصية ويمكن التعلم أيضا من تجارب الآخرين بعد معرفتها سواء بالسماع أو القراءة أو المشاهدة. وقد نحصر هذه الطرق في الممارسة الذاتية أو ملاحظة غيرنا. ومما يحدث كثيرا أن هذا التعلم لا يتحقق، أو ربما يتحقق لكنه لا يفيد، رغم حدوث الممارسة أو غزارة الملاحظة. النتيجة لا تصنع لنا رابطا واضحا بين زيادة فرص نجاحنا وبين ما تعلمناه من تجاربنا أو تجارب غيرنا.
نفشل في اتخاذ القرار في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة، ثم بعد فترة زمنية نمر بظروف مشابهة وقرار مشابه ونفشل كذلك. وربما نقرأ عن آلية اتخاذ القرار في سياق ما وعندما يمر علينا هذا السياق لا نطبق أي شيء منه. ونعلم عن التحيزات التي تشوه عملية اتخاذ القرار وتجعلنا نحيد عن النتيجة الأفضل، لكنها لا تزال تؤثر في قراراتنا بشكل واضح وباستمرار.
هناك كثير من الأبحاث التي تؤيد صعوبة التعلم من الأخطاء، لأسباب نفسية وأسباب متعلقة بطبيعة العقل البشري. كيف يتعامل الفرد مع الخطأ؟ وكيف يتذكر التجارب السابقة؟ وكيف يؤطر هذه التجارب حيث تصبح قابلة للاسترجاع؟ هناك من الدراسات ما يؤيد ارتباط السلوك بالواقع اللحظي أكثر من التجربة والتعلم السابق، بل إن الجذب والإغراء والتفكير حول العائد المتاح حاليا أكثر تأثيرا مما نعرف عن تجربتنا مع هذا السلوك، لهذا تجد أن المدخن يستمر في تدخينه رغم أنه تأثر به سلبا في مرض سابق، أو أكل السكريات مع أن الشخص قد يكون عاش معاناة أحد القريبين منه بسبب الوزن الزائد، أو يظهر لنا بوضوح أن الإعلانات المغرية تقوم بعملها، فهي مؤثرة وسلوكنا الاستهلاكي خير دليل.
ما يخرب عملية التعلم من التجارب الربط الخاطئ بين السبب والنتيجة، ونفترض هنا أن طريقة الربط ونتيجة الربط قابلة للتكرار. هذا مشاهد بشكل كبير جدا في الشركات التي تعيش ظروفا اقتصادية ممتازة جدا وعملاء غير متطلبين فتحقق الربح الوفير والسهل. يعتقد حينها المديرون أن ما يمارسونه من قرارات يمثل معادلة النجاح الأفضل، كيف لا ونجاحهم مثبت على أرض الواقع. وينظرون إلى الأمر بطريقة تجعل الأسباب الداخلية "اختياراتهم وطريقة عملهم وأنظمتهم" أكثر تأثيرا في النتيجة من الأسباب الخارجية "واقع العملاء، الظروف الاقتصادية، التنظيمات ... إلخ". لهذا عندما تتغير الظروف الخارجية وتصبح أكثر حدة يستغربون من تدهور النتائج، والأدهى والأمر المعالجة هنا لا تصلح الأمر، فالفهم الخاطئ لا يأتي أبدا بحلول جيدة. لهذا بدلا من أن يعيدوا ترتيب الأسباب الداخلية لتتواءم مع الواقع الجديد، يقومون بالتنغص مما يحدث خارجا، ويتهمون العملاء والاقتصاد والتنظيمات، النتيجة بلا شك ستكون أقرب إلى الفشل من النجاح، أو على الأقل وصولا متأخرا ومكلفا للنجاح.
يقوم التعلم من التجارب على مجموعة من الافتراضات، قد نحصر منها أربع زوايا على قدر كبير من الأهمية، وهي كالتالي: التنبه والفهم الجيد والاسترجاع والمواءمة. أما التنبه فلا تعلم والعقل سائح لا يملك مهارات التركيز والتنبه والملاحظات، هناك كثير من الوقائع والتجارب والسلوكيات والعلاقات التي تصادفنا خلال اليوم والساعة، والتعلم يستوجب التوقف وملاحظتها، اختيار لحظة التنبه وطريقة رصد التجربة أساس ومطلب لعملية التعلم. الركن الثاني يتمثل في الفهم الجيد، فالملاحظة إذا أتت بفهم غير صحيح تحطمت قيمة التجربة وربما انقلبت إلى تعلم سلبي يضر ولا ينفع. الفهم الجيد يشمل الإحاطة بالظروف والسياق وإزالة التشوهات والحذر من التحيزات ورصد التجربة بشكل دقيق وواضح. أما الاسترجاع فهو إحدى نقاط الضعف الطبيعية وتتمثل في قدرات الذاكرة البشرية الضعيفة وكيف يتجاوزها الشخص بالكتابة وتوثيق الملاحظات والعودة إليها من حين إلى آخر بطريقة مختلفة.
أخيرا المواءمة وهي عملية الإسقاط الأهم التي تحدث بين التعلم السابق والتجربة الجديدة، فالمواقف تختلف عندما تتكرر لذا يتطلب الأمر التعرف على العلاقات السببية الجوهرية التي تؤثر في النتيجة ويمكن حينها المواءمة بشكل أفضل وحصد ثمرة التعلم من التجربة.

إنشرها