Author

خدمة أقل أو أكثر من الحاجة .. الطب والمحاماة مثالان

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

خلق الإنسان محبا للمال. قال سبحانه «وتحبون المال حبا جما». ماذا يعني ذلك لممارسي المهن بمقابل، وليسوا مجرد موظفين، لا شأن لهم بما تحصله جهات عملهم من مال؟
مما يعنيه الميل إلى المبالغة في تصوير الخدمات المطلوبة، ومدى الحاجة إليها ومنافعها. والحديث هنا عن أغلبية الممارسين وليس كلهم، فهناك من لا يبالغون.

والحديث مركز على الأطباء والمحامين المرخصين للعمل، سواء منفردين لحسابهم، أو تحت مظلة منشآت، لا يعملون فيها مجرد موظفين، بل لهم حصص مما تحصل عليه المنشآت من أموال من المراجعين.
هناك توجه في دول كثيرة لتحويل خدمات صحية مجانية أو شبه مجانية إلى قطاع خاص. ويتبع هذا التحويل الاعتماد على الدفع سواء بالتأمين الصحي أو غيره، ولهذا التوجه آثار. والتعرف والحكم على هذه الآثار والتبعات مرتبط بتفاصيل وعوامل كثيرة، تؤثر سلبا أو إيجابا في الأداء والتكلفة والفاعلية وغيرها من معايير.
إلا أنه يمكن اختصار المحصلة النهائية في العبارة التالية، "الفحوص للمراجع في المستشفى الحكومي أقل من اللازم وفي الخاص أكثر من اللازم". هذه خلاصة دراسات ومناقشات أجريت في دول خاصة غربية عبر الأعوام للمقارنة بين الرعاية في المستشفيات الحكومية والخاصة، وتعكس فروقا في تكلفة الرعاية.
لكن النتيجة السابقة مرتبطة طبعا بتفاصيل أخرى، الخوض فيها يطيل الحديث. من جهة أخرى، من الصعب جدا الاستنباط من النتيجة السابقة أحكاما على القطاعات من ناحية جودة ونتيجة الخدمة. هناك عوامل أخرى كثيرة مؤثرة في النتيجة والجودة.
انتشر تحويل الدفع إلى وسيط هو شركة تأمين. لكن شركات التأمين لا تدفع التكلفة كاملة، محاولة منها لتقليل إساءة استخدام التأمين. وقدرت الدراسة التالية لأحد أساتذة جامعة هارفارد:Privatizing health care is not the answer: lessons from the United States، Marcia Angell، MD أن حجم الممتنعين في أمريكا عن الاستفادة من التأمين بسبب مشكلة التكلفة السابقة تزيد على ضعف الموجود في كندا.

ونظام الرعاية الصحية في أمريكا معتمد على القطاع الخاص أكثر كثيرا من كندا. وذكرت الدراسة نفسها أن معدل توقع الأعمار في كندا أعلى من أمريكا، وأن نسبة وفيات الرضع في أمريكا أعلى من كندا. بل أكثر من ذلك.

قالت الدراسة، إنه خلافا للاعتقادات السائدة، التي تقول إن الناس في أمريكا يحصلون على خدمات صحية أكثر، قالت الدراسة إن الأمريكيين يحصلون على خدمات أقل مقارنة بكندا. هم يزورون الأطباء بصورة أقل ويقضون أوقاتا أقل في المستشفيات مقارنة بالكنديين. لكن تكلفة ما يحصلون عليه من خدمات صحية أعلى من كندا بالنسبة إلى الفرد.
حاولت دراسات شرح لماذا الوضع هكذا، أي لماذا يدفع الأمريكيون أكثر ويحصلون على خدمة أقل، خاصة ما قالته دراسات إن نظام الرعاية الصحية الأمريكي أقل كفاءة less efficient مقارنة بالكندي. وترجع الدراسات السبب إلى أن الخدمات الصحية الأمريكية القائمة أساسا على القطاع الخاص، تعاني درجة من فشل السوق.

وفشل السوق موضوع طويل وخلاصته فشل السوق في أداء وظيفتها المفترضة لاعتبارات كثيرة موضوعية معيارية ككون السلعة غير قابلة للاستبعاد أو المنافسة "سلعة عامة" أو لنقص المعلومات جوهريا عن المستهلك أو أنها خارج نطاق قدرته المعرفية "الدواء أشهر مثال".
ماذا بشأن مهنة المحاماة؟
ما قيل عن الأطباء يقال أيضا عن المحامين من حيث الصورة العامة، وليس من حيث كل التفاصيل. بعض المحامين يسعون إلى إطالة أمد الفصل في الدعوى، لأن الإطالة تزيد من مبالغ الأتعاب التي يتقاضونها من المتقاضين.
المشكلة السابقة أوجدت مقترحا خلاصته منح القانونيين الموجودين في الشركات الحق في الترافع عن شركاتهم أمام المحاكم المختلفة، وعلى وجه التحديد، القضايا المتعلقة بجهات عملهم. والمقترحون يشيرون إلى أن بعض الشركات فيها قانونيون أصحاب خبرات ورواتب عالية، لكن لا يستفاد كما ينبغي.
المحاماة عمل يمارسه البعض وليس الكل طبعا، بطرق يسيطر عليها عامل الاستفادة ماليا من ظروف يمر بها البعض من أفراد ومنشآت.
يرى البعض أن هناك مبالغة من بعض المحامين العاملين لحسابهم في حجم الأتعاب التي يطلبونها أو يتقاضونها في القضايا التي يتولونها عن شركات. لذا يأملون منح موظفي الشركات القانونيين الحق في الترافع عن شركات. ويرى هؤلاء البعض أن الحاجة تزيد مع تعقد القوانين والأمور، وتوسع التقنية والأعمال.

ويرون أن السماح لموظفي الشركات سيساعد على خفض قيمة الأتعاب التي يتقاضاها بعض المحامين. من ناحية أخرى، فإنه سيخفف العبء عن كاهل المحامين مع الظروف وكثرة القضايا، ونمو الاقتصادات، وتزايد أعداد الشركات العاملة في الأسواق. وطبعا تنتج مما سبق زيادة أعداد القضايا. وقد تزيد بما يفوق الزيادة في أعداد المحامين المرخصين.

وطبعا، ليست كل الشركات العاملة في الأسواق لديها موظفون قانونيون.
تقليل المشكلات القانونية وغير القانونية الممكن حصولها يتطلب الاهتمام بقوة بأمور، منها تحسين الوعي وإتقان العمل. الإتقان يزيد الإنتاجية كما وكيفا. وتبعا تقل الخلافات والتكلفة نسبيا. والإنتاجية تعني مخرجات كل وحدة من عناصر الإنتاج المستخدمة.
والعوامل الدافعة إلى زيادة الإتقان وجودة الإنتاجية وتقليل المشكلات كثيرة. وهذا موضوع مستقل. لكني أراها فرصة للإشارة إلى نقطة. يعاني بعض المحامين في بلادنا ضعفا علميا في الجانب الشرعي أو الجانب القانوني. السبب كون بعضهم قد درس القانون الذي يدرس عادة في غالب جامعات العالم، لكن خلفية هذا البعض في علوم الشريعة ضعيفة.

والعكس كذلك، بعض المحامين خريجو شريعة، لكن بضاعتهم في القانون ضعيفة. وحيث إن الشريعة أساس للأنظمة والقضاء في بلادنا، فالمطلوب أن تتوافر في المحامي في بلادنا جودة علمية في الشريعة وفي القانون الوضعي. وبالله التوفيق.

إنشرها