Author

صناديق المرابحات نموذج للاستثمار منخفض المخاطر

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

في الفترة الحالية هناك تحديات كبيرة تواجه الاستثمارات في الأصول أو عموما الاستثمارات عالية المخاطر مثل الأسهم والعقار أو السلع أو حتى المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة، وذلك لأن المنطق الاقتصادي يتوقع انخفاضا في عوائد هذه الأصول في ظل ارتفاع عوائد أدوات الدين، والمتابع للأسواق اليوم يجد أنها غير مستقرة مطلقا وما زالت قرارات رفع أسعار الفائدة واردة جدا، وبالنظر إلى الحجم الكبير للمديونيات على الشركات ستكون هناك معاناة شديدة بسبب إجراءات الفيدرالي، التي ستنعكس بشكل واضح على أرباح الشركات، خصوصا التي لديها مديونيات عالية، ولذلك ورغم زيادة الأرباح لبعض الشركات، إلا أن هناك شركات ستعاني كثيرا خلال الفترة المقبلة، وهنا تأتي أهمية معرفة الأدوات التي يمكن أن تكون خيارا للمستثمر خلال هذه الفترة في ظل التقلبات الكبيرة في السوق، خاصة أن بعض المستثمرين الأقل خبرة سيكونون أكثر عرضة للخسائر من غيرهم من المستثمرين المحترفين الذين يتبعون منهجية تعتمد على خبرتهم ومعرفتهم بسلوك السوق.
وحتى يتضح السبب لماذا سيميل كثيرون إلى الأدوات منخفضة المخاطر في هذه الفترة؟ هو أن العائد على الأصول منخفضة المخاطر أصبح أعلى بكثير من عائد الأصول عالية المخاطر مقارنة بفترة سابقة، ففي 2020 وفي ذروة أزمة كورونا كانت أدوات الدين منخفضة إلى الصفر تقريبا لا تكاد تحقق عائدا، وبعض الدول وهي قليلة جدا بلغت نسبة الفائدة فيها إلى الصفر، بل بالسالب، حيث قد يكون الاحتفاظ بالمال في البنوك مكلفا، ولذلك اتجه كثير من المستثمرين إلى الاستثمار في الأصول حتى إن كان العائد ضعيفا، فلا جدوى من بقاء السيولة في البنوك، وليس ذلك فقط بل شجع ذلك المستثمرين على الاقتراض شبه المجاني لاستثمار هذه الأموال في الأسواق التي شهدت مضاربات ساخنة في مختلف الأدوات الاستثمارية، وشجع بعض الشركات على التوسع بشكل كبير في أنشطتها وأعمالها، كما أن الأفراد والمستثمرين وجدوا أن من غير المكلف كثيرا تملك العقارات، وهذا ما شكل أحد أهم أسباب الارتفاعات، لكن الصورة مختلفة تماما اليوم حيث تبلغ الفائدة لدى البنوك المركزية لمجموعة من الدول المتقدمة اقتصاديا وفي دول الخليج، قريبا من 5 في المائة، وما زال الاحتياطي الفيدرالي متحفزا لرفع الفائدة بشكل أكبر، ما يعني أن هناك احتمالا لتسرب السيولة من الأدوات عالية المخاطر إلى الأدوات منخفضة المخاطر، وفي مقالات سابقة تم الحديث عن الصكوك باعتبارها أيضا واحدة من الخيارات للاستثمار منخفض المخاطر.
صناديق الاستثمار في المرابحات هي واحدة من الخيارات التي تقدمها المؤسسات المالية باعتبارها منخفضة المخاطر وهي داعمة لقطاع التمويل، حيث تقوم هذه الصناديق بتمويل كثير من العمليات الخاصة بالأفراد أو المؤسسات من خلال شراء كميات كبيرة من السلع ومن ثم بيعها على المستفيدين، سواء الشركات أو الأفراد، وذلك ببيعها بربح يعتمد على المدة التي سيتم خلالها سداد قيمة هذه السلعة، وقد يرغب المستفيد في استخدام هذه السلع مثل العقارات السكنية أو التجارية أو السيارات أو يريد إعادة بيعها والاستفادة من السيولة، في عملية توصف في الفقه الإسلامي بأنها تورق، تتميز هذه العمليات بأن هامش الخسائر فيها محدود جدا، وخبرة المؤسسات المالية الإسلامية في هذا النوع من الاستثمار جعل احتمال فشل هذه العمليات وخسارة المستفيدين منها محدودة، ولذلك في الأغلب ما تحقق أرباحا، وهامش الأرباح فيها مرتبط بشكل كبير بأسعار السايبور في أسواق الدين، ولذلك نجد أن هذه الصناديق بدأت فعليا تحقيق عوائد جيدة خلال فترة الارتفاعات في أسعار السايبور، وهو تكلفة الاستدانة بين البنوك، وما زالت الفرص قائمة بزيادات قد تكون أقل حدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الذي بدوره سيؤدي إلى الارتفاع في أسعار السايبور والزيادة في عوائد الاستثمار في صناديق المرابحات.
الخلاصة، إن الاستثمار في صناديق المرابحات التي تقدمها المؤسسات المالية الإسلامية والمؤسسات المالية التي تقدم منتجات متوافقة مع الشريعة، يعد واحدا من الخيارات الجيدة للاستثمار حاليا، نظرا إلى ارتفاع عوائد الاستثمارات منخفضة المخاطر، والتقلبات التي تشهدها الأسواق المالية حاليا، وتدهورا في قيمة الأصول والسلع الذي بدوره سيعرض المستثمر إلى مخاطر أكبر.

إنشرها