Author

شيطنوا النفط ثم تابوا

|
مختص في شؤون الطاقة

خلال العقد الأخير خصوصا تعرض الوقود الأحفوري عموما والنفط تحديدا إلى حملة شرسة ممنهجة في رأيي، ومن مطبخ سياسي واحد لتقويض صناعته والاستثمار فيه، هذه الحملة تستند إلى ذرائع متعددة لتحقيق أهدافها. الذريعة الأكثر جذبا للتعاطف - ولإضفاء مصداقية وزخم إلى هذه الحملة - هي البيئة والمحافظة عليها من التلوث والاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي قد يغرق مدنا كاملة، وسيؤدي إلى شح للمياه وكوارث لا تعد ولا تحصى بحسب زعمهم.
بغض النظر عن صحة مبرراتهم ودقتها رغم تحفظي الكبير على ذلك، فهل من المنطق أن يتم حل مشكلة ما بإيجاد مشكلة أكبر وأقوى أثرا وتأثيرا؟ عندما أقول إن هذه الحملة الشرسة ضد النفط من مطبخ سياسي واحد، فأنا لم أستطع التماس العذر لبعض دول العالم وصناع قرارها وبعض بيوت الخبرة في قطاع الطاقة التي يشار إليها بالبنان، بل "كان" يشار إليها بالبنان في رأيي، لم أستطع التماس العذر لهم وأن أقتنع من قريب أو بعيد بأنهم يجهلون أهمية الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط كمصدر رئيس للطاقة، بل المصدر الأهم خلال المدى الطويل، وأهمية مشتقاته ومنتجاته، واستخداماتها وتطبيقاتها التي لا تعد ولا تحصى.
إن كانوا يجهلون ذلك فتلك مصيبة، وإن كانوا يعلمون فالمصيبة أعظم! ذكرت أن العالم في خضم هذه الظروف الصعبة والتحديات الضخمة في أمس الحاجة حقا إلى الحكمة التي تقود إلى الاعتدال ومن ثم العدل، فالنفط شاءوا أم أبوا كان وما زال وسيبقى لمدة طويلة متربعا على عرش مصادر الطاقة العالمية بعيدا عن المماحكات السياسية والاقتصادية، وأن استقرار أسواق الطاقة واستدامتها وسلامة شرايينها، هو عين التطور وأساس التنمية وقلب المدنية النابض، بل عصب الصناعة وعمودها الفقري.
منظرو هذا التوجه وقادته وأعني هنا تقويض صناعة النفط والاستثمار فيه لم يصمدوا طويلا بالتمسك بآرائهم وحماسهم المنقطع النظير إلى التخلص من النفط الذي وضعوه في قفص الاتهام، حيث إن الحرب الروسية - الأوكرانية بعثرت أوراقهم وعرت مصداقيتهم أمام العالم. الأثر الحاد الذي خلفه تعطل أو تعطيل شرايين الطاقة الروسية لأوروبا على الاقتصاد الأوروبي كعين الشمس لا تحجب بغربال، فقد ألقت بظلالها على منتجات الطاقة في العالم وأوروبا خصوصا، حيث ارتفع سعر الغاز إلى مستويات قياسية بنحو 1000 في المائة خلال العام الماضي، ما أدى بطبيعة الحال إلى تعثر بعض المصانع ومعاناة كثير منها حيث ارتفعت فاتورة الكهرباء إلى خمسة أضعاف في بعض دول أوروبا.
ما حدث أدى إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 125 دولارا للبرميل ما دفع منظري تقويض صناعة النفط إلى الطلب من "أوبك" إلى رفع الإنتاج لخفض الأسعار إلى مستويات مناسبة للمستهلكين. رئيس الولايات المتحدة ذكر في أحد تصريحاته أن أمريكا ستعتمد على النفط والغاز لفترة من الزمن قد تتجاوز العقد، وحظي هذا التصريح بتفاعل كبير، حيث أرى أن هكذا تصريح قد يدغدغ الداخل الأمريكي الذي يعتمد على الوقود بصورة كبيرة قبل الانتخابات، وقد يقرأه البعض أنه اعتراف ضمني بموثوقية "أوبك" وقراراتها. بعد شيطنة النفط عادوا ليتوبوا لكن هل هي توبة نصوح؟ لا أعتقد والأيام حبلى يلدن كل عجيب، ننتظر لنرى عجيب صنعهم!

إنشرها