Author

حركة التمويل العقاري السكني في الأعوام الأخيرة

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

انخفض التمويل المصرفي العقاري السكني المقدم للأفراد من نحو 150 مليار ريال في 2021 إلى نحو 120 مليار ريال في 2022، أي بانخفاض 20 في المائة تقريبا. "المصدر: البنك المركزي السعودي".
ما تفسير هذا الانخفاض؟
زيادة معدلات الفائدة سبب حصل أخيرا. هل يكفي للتفسير؟ علينا أن نتقصى عن الوضع وكيف كانت حركة التمويل العقاري السكني في الأعوام الأخيرة قبل زيادة الفائدة.

ذلك أن وجود سبب حديث العهد لا يغني عن تقصي كيف كانت الحركة في الأعوام السابقة. قد نجد تطورات مؤثرة أهم مما استجد. التمويل كأي سلعة مادية أو خدمية تتأثر بالعرض والطلب.

والطلب الكلي في أي بلد في العالم يعتمد على عوامل على رأسها نمو الناتج المحلي ونمو السكان ودخولهم وسعر السلعة ومدى توافرها. وإذا السلعة مدعومة دعما له اعتبار قوي في عيون الناس، فهذا يصنع في الغالب فجوة بين العرض والطلب. كيف؟ يزيد الطلب على تلك السلع المدعومة بمعدلات تزيد كثيرا على معدلات زيادة العرض. وتتفاقم الفجوة أكثر وأكثر مع مرور الأعوام.
هذا ما حصل لقروض صندوق التنمية العقارية حسب أسلوبه القديم. كان الصندوق المصدر شبه الوحيد لتمويل غالب الناس، لكن الحصول على تمويله تطلب انتظارا. عدد المتقدمين يزيد كل عام، وكان متوسطه نحو 70 ألفا، لكن متوسط عدد الحاصلين على تمويل سنويا نحو 40 ألفا. النتيجة طابور، أي أعداد منتظرة ومدة انتظار يزدادان عاما بعد عام.
وبسبب طريقة الصندوق القديمة، بلغ متوسط مدة الانتظار بضعة عشر عاما لكل متقدم موافق على تمويله. وفي 1436 الموافق 2015 بلغ مجموع المنتظرين نحو نصف مليون، حسب إحصاءات الصندوق.
عدد المنتظرين سابقا يدل دلالة واضحة على أن القروض العقارية البنكية في السعودية متدنية قبل أعوام.

كانت تشكل ما متوسطه نحو 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. مقارنة بـ50 في المائة في الولايات المتحدة، و17 في المائة في ماليزيا، وأكثر من 70 في المائة في المملكة المتحدة.

لا شك أن ما شهدناه سابقا من نمو اقتصادي لم تواكبه بالقوة نفسها أنشطة تمويلية للعقار، ما قلل من السيولة الممكنة في قطاع العقار والتطوير العقاري، وخفض معدل امتلاك المنازل في السعودية.
ثم ماذا حصل بعد تغيير طريقة الصندوق قبل أعوام قليلة؟
التغيير السريع جلب نموا غير طبيعي في الطلب على التمويل السكني، عبر انكباب المنتظرين خاصة.

أي شهدنا نموا يتجاوز كثيرا جدا النمو الطبيعي المعتمد على عوامل نمو الناتج المحلي ونمو السكان ودخولهم ونحو ذلك. وهذا النمو غير الطبيعي رفع الأسعار.
هل يستمر النمو غير الطبيعي؟ هو بطبيعته مؤقت لا بد أن ينتهي قريبا.

وظهور عوامل أخرى معاكسة التأثير في العام الماضي خاصة كرفع الفائدة تساعد على تقليل قوة ذلك النمو غير الطبيعي في الطلب على السلعة.
وهنا مزيد توضيح. والأرقام بالتقريب ومصدرها موقع البنك المركزي "ساما".
كان نمو التمويل السنوي المصرفي أي من خلال البنوك التجارية خلال الأعوام العشرة قبل 2019 أي بين 2008 و2017 غير قوي.

يدل على ذلك أن التمويل العقاري الشخصي زاد خلال تلك الفترة من نحو 14 مليار في 2007 إلى نحو 19 مليار 2017. أي بمعدل نمو سنوي متوسطه في حدود 4 في المائة خلال تلك الفترة. وهو معدل معتدل جدا.
لكن بعد تغيير طريقة الصندوق العقاري قبل أعوام قليلة، تغير الوضع منذ 2018.

فبين عامي 2017 و2018 زاد حجم التمويل من 19 مليارا 2017 إلى 28 مليارا 2018، وزاد عدد العقود من 28 ألفا إلى 47 ألفا، أي بمعدل نمو في عام واحد 50 في المائة.
ثم زاد حجم التمويل إلى نحو 79 مليارا وعدد العقود إلى 136 ألفا 2019، ثم زاد الحجم إلى نحو 151 مليارا 2020، والعدد إلى نحو 225 ألفا، بزيادة أربع مرات تقريبا خلال عامي 2019 و2020.

هذه الزيادات الشديدة لا تعكس النمو السنوي الطبيعي، بل تعكس بالدرجة الأولى سرعة في تلبية طلبات مئات الآلاف من المنتظرين، بما يدل على انتهاء أو قرب انتهاء مشكلة الانتظار. أي أن مشكلة الانتظار كانت السبب الأول في نمو التمويل بشدة خلال الأعوام الثلاثة 2018 ـ 2020.
ثم ماذا؟
نلحظ اتجاه الطلب على التمويل السكني حجما وعددا إلى الوضع الطبيعي عبر مرحلتين: الأولى توقف نمو، وهذا ما حصل في 2021، حيث بلغ حجم التمويل فيه نحو ما تحقق في 2020. والمرحلة الثانية انحدار النمو ليرجع إلى المستوى الطبيعي، وهذا ما بدأ تحققه في العام الماضي.

ومتوقع استمرار انخفاضه هذا العام، وفي الأغلب أيضا العام المقبل إلى أن يرجع بعد ذلك إلى مسار النمو الطبيعي.
لا شك أن زيادة معدلات الفائدة زادت من انخفاض حجم التمويل في العام الماضي. لكن يبقى العامل الأهم انتهاء أو قرب انتهاء تدفق مئات الآلاف "الذين كانوا سابقا على قوائم انتظار صندوق التنمية العقارية"، للحصول على تمويل دون حاجة إلى انتظار حسب أنظمة وتنظيمات التمويل العقاري السكني الجديدة، التي بدأ تطبيقها قبل أعوام قليلة.
بتعبير آخر، ما حصل خلال الأعوام القريبة الماضية من تدفق بمعدل مرتفع جدا للحصول على تمويل، هذا التدفق انتهى، لانتهاء أسباب وجوده، وهي قوائم الانتظار الطويلة سابقا. ولذا فإن ذلك التدفق أصبح من الماضي.

ومن ثم نشهد انخفاضا في الطلب على التمويل ليعود نموه إلى معدلات معتدلة تتناسب مع نمو الظروف الأخرى وعلى رأسها زيادة السكان ودخولهم. وهذه العودة أضعفت حدة ارتفاع الأسعار. من جهة أخرى، مستوى العودة إلى النمو المعتدل في الطلب مرتبط ببقاء الظروف والعوامل الأخرى المؤثرة دون تغيير جوهري. أما إذا تغيرت فلكل حادث حديث. وبالله التوفيق.

إنشرها