شعار الحرب في أوروبا .. القتال حتى النصر أو الموت

قد يرى بعض القراء الكرام أن الكتابة عن الحرب الطاحنة في أوروبا فيها من الحرج الكثير، وعشرات الآلاف من الناس الأبرياء قتلهم زلزال مروع ضرب كلا من سورية وتركيا.
وقدر بعض العلماء قوة الزلزال بما يمكن أن يحدثه انفجار عشرات القنابل الذرية. ولا يسعني في مستهل مقالي هذا إلا تقديم التعازي والإعراب عن حزني العميق وتعاطفي مع الضحايا.
والله أدمع كلما ألقي نظري على ما تنقله لنا شاشات التلفزة من مشاهد مروعة لما خلفه هذا الزلزال المدمر. بيد أن الزلازل لا نتحمل مسؤوليتها نحن البشر، رغم ما تبثه من رعب في النفوس.
وكذلك لا علاقة لنا بولوج الليل وطلعة البدر وشروق الشمس وغيابها. إنها آيات لن نتمكن العيش من دونها.
من هنا، فإن الحديث عن الزلزال في تركيا وسورية، والوقوف بصمت احتراما للأنفس التي زهقت واجب. والزلازل تضرب ثم تخمد. ومهما كانت التبعات ـ وهي رهيبة بأي مقياس ـ فإنها تمنحنا نحن البشر فرصة لالتقاط الأنفاس وتضميد الجراح.
هناك بون شاسع، لا بل هوة لا يمكن ردمها، بين الزلازل التي تضربنا بها الطبيعة بين الفينة والأخرى من جهة، وبين الزلازل التي نزلزل فيها نحن البشر الأرض من تحت أقدام بعضنا الآخر.
وهنا تحضرني الحرب الضروس الدائرة حاليا في أوروبا، التي قسمت العالم "المتمدن" والمتطور صناعيا إلى قسمين، الأول تقوده روسيا، والآخر الولايات المتحدة وحلفاؤها.
ساحة الحرب هي أوكرانيا، حيث مركز الزلزال، لكن ردات هذا الزلزال محسوسة على مساحات شاسعة من العالم، وبالكاد نلحظ بقعة من الأرض إلا وقد تأثرت بهزاته.
ما جذبني الولوج في هذا الموضوع الذي يشغل الدنيا اليوم بجانب الزلزال المرعب الذي ضرب كلا من تركيا وسورية، كانت اللغة التي استخدمها طرفا الحرب في نطاق الأسبوعين الأخيرين.
والله إن كان الزلزال ينطق، أو له التدبير والعقل والحكمة التي من به الله علينا نحن البشر، لما تجرأ على نطق أو كتابة لغة تقشعر لها الأبدان مثل هذه.
اللغة التي تقتحم مسرح الحرب في أوكرانيا أكثر هولا من ويلات الحرب ذاتها، التي صارت حسب ما يصرح به المسؤولون الغربيون أنفسهم "مطحنة" ليس لاستهلاك السلاح وإنفاق الأموال الطائلة، بل "مطحنة للبشر".
ونقرأ أن دولة مثل روسيا، المشهود لها بإنتاج الأسلحة والعتاد بسرعة فائقة وبكميات هائلة، صارت تعاني نقصا في القنابل والصواريخ وعتاد المدفعية لإدامة زخم حربها في أوكرانيا.
لست بصدد التحقق من صحة ما قرأته، لكن تصور أن دولة عظمى لم يعد يكفيها إنتاجها الحربي الذي بنت اقتصادها عليه لتلبية ما تحتاج إليه الحرب من ذخيرة.
وفي الجانب الآخر، هناك شكاوى مصدرها دول الحلف الأطلسي ومعها دول حليفة أخرى، أن أوكرانيا تستهلك في حربها مع روسيا أكثر بكثير مما في إمكان الماكينة الصناعية الحربية لهذه الدول مجتمعة إنتاجه.
وإن أخذنا النفقات التي تتطلبها هذه الحرب، فإن رقم الأموال التي خصصتها الولايات والمتحدة وحلفاؤها لأوكرانيا في نحو عام من عمر هذ الحرب وصل إلى 120 مليار دولار. ليست هناك أرقام عن نفقات روسيا ولا بد أن تكون كبيرة أيضا، لكن 120 مليار دولار تمثل نحو ضعف الميزانية السنوية لوزارة الدفاع الروسية. وثمة شعارات بدأت تطفو على السطح ترعب حتى الحجر. في روسيا، يتحدثون صراحة عن "النصر أو الموت". وعندما يذكرون "الموت" معناه نهاية العالم وليس نهاية روسيا.
في الغرب يتحدثون عن "هزيمة" روسيا ويضيفون عبارة "مهما كلف الثمن". والثمن مكتوب على الحائط، أي حتى لو وصل الأمر إلى استخدام الأسلحة النووية، أي "الموت" حسب المفهوم الروسي. وبعد الهلع الذي أحدثته هذه المواقف واللغة التي رافقتها، وهو هلع أكاد أجزم بأنه يفوق هلع الزلزال، طلع علينا بعض الساسة لتخفيف وطأة هذه اللغة المشحونة بالتهديد والوعيد.
وهم بدلا من أن يعيدوا الطمأنينة للقلوب، زادوها قشعريرة. الآن الحديث يدور في الغرب حول استراتيجية تمنع روسيا من الانتصار.
وروسيا تقول "النصر أو الموت".
فأي زلزال هذا وأي مقياس ريختر في إمكانه تحديد درجته وهو يزلزل الأرض في أوروبا ليس لثوان بل لحول كامل؟ لا أفق للحرب "زلزال" أوروبا والتصعيد آت والحرب على أبواب عامها الثاني. والمتحاربون لهم من الأدوات ما يمكنهم من دك الأرض دكا بزلازل متلاحقة تفوق قدرتها عشرات المرات قوة الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وتركيا. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي