الديون وقلق الصندوق .. لماذا؟

لا شك أن قلق صندوق النقد الدولي من ارتفاع الدين العام في بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا له ما يبرره، إلا أن ذلك من المتوقع أن يؤدي إلى مزيد من التحفظ في سياسات الصندوق الموجهة إلى دول المنطقة، وإلى مزيد من الشروط والضوابط اللازمة للحصول على أي مساعدات مالية من الصندوق.
ألمحت مديرة الصندوق هذا الأسبوع أن على حكومات دول المنطقة ممن لديها ديون عامة عالية أن تقوم بتعزيز المرونة من خلال سياسات مالية للحماية من الصدمات، ومن الحكمة ألا تؤخذ هذه التصريحات على وجه العموم كتصريحات عابرة، بل ربما أنها إشارات ضمنية إلى ما قد يتطلبه الصندوق من الدول المحتاجة للمساعدة، وهي كثيرة في منطقتنا الجغرافية.
بداية نذكر بتوقعات الصندوق لمسار الاقتصاد العالمي واقتصاد بعض دول المنطقة للعامين المقبلين، حيث من المتوقع تباطؤ النمو في المنطقة إلى 3.2 في المائة هذا العام، ثم الارتفاع إلى 3.5 في المائة في 2024، في حين أن نسبة النمو المتوقعة على المستوى العالمي لـ2023 أقل من 3.4 في المائة المتحققة لـ2022 وستكون 2.9 في المائة، ثم ترتفع إلى 3.1 في المائة في 2024.
الجدير بالذكر أن النمو الطبيعي للاقتصاد العالمي، بحسب متوسط الأعوام من 2000 إلى 2019، يبلغ 3.8 في المائة، ما يعني أننا لن نرى هذه النسبة الطبيعية قبل 2025، على أقل تقدير. من جهة أخرى نجد أن الدول المتقدمة هي المتسببة في ضعف النمو الاقتصادي للعامين الحالي والمقبل بمتوسط نسبة نمو بمقدار 1.3 في المائة فقط، بينما متوسط هذين العامين للاقتصادات الناشئة والنامية يبلغ 4.1 في المائة.
أما بخصوص السعودية، يرى صندوق النقد أن متوسط النمو للعامين المقبلين سيكون 3.0 في المائة، وذلك أعلى من نمو الاقتصادات المتقدمة وأقل من متوسط الاقتصادات الناشئة والنامية. وبخصوص توقعات التضخم العالمي يرى الصندوق انخفاضا من 8.8 في المائة 2022، إلى 6.6 في المائة 2023، ثم إلى 4.3 في المائة 2024، ولا تزال نسب التضخم هذه أعلى من 3.5 في المائة لما قبل كورونا.
الدور المهم لصندوق النقد الدولي في تقديم القروض المالية لدول عديدة على مر الأعوام لا يخلو من الانتقاد والتذمر، وأحيانا التشكيك في دور الصندوق ومصداقيته ودقة توقعاته. مسببات الانتقادات عديدة، أبرزها أن سياسات الإقراض تنطوي على شروط صارمة تطالب بها الدول التي تلجأ إلى الصندوق، وتشمل إجراءات متعلقة بقواعد الصرف والإنفاق في تلك الدول إلى جانب مطالبات الصندوق بإجراء تغييرات هيكلية مؤثرة قد لا تتناسب مع طبيعة الاقتصاد المحلي وسياساته الداخلية في بعض الحالات.
من تلك الحالات التي تدخل الصندوق بها وأدت إلى تقلبات اقتصادية كبيرة وأزمات مالية يرى البعض أنها أتت كنتيجة مباشرة لتوصيات الصندوق، هناك الأزمة الآسيوية في 1998 حين تدخل الصندوق في السياسات النقدية والمالية لهذه الدول ومطالبته برفع أسعار الفائدة وخفض الإنفاق الحكومي.
في حالات أخرى تم التشكيك بنيات الصندوق كما حدث في أزمة سعر الصرف في كينيا حين طالب الصندوق بإزالة قيود تحرك رؤوس الأموال، الأمر الذي عده المشككون وسيلة لخروج أموال بعض المنتفعين والنافذين من الطبقة السياسية في الدولة.
ربما أهم الانتقادات الموجهة إلى دور الصندوق في تقديم القروض أن ذلك يؤدي إلى رفع مستوى ما يعرف بالمخاطرة الأخلاقية المالية التي تعني أن تدخل الصندوق يساعد على التهاون والاستهتار لدى بعض الدول بحكم أن الصندوق جاهز لمد يد العون في أسوأ الظروف. في هذا السياق يشار إلى دولة تايوان التي تم عزلها من الصندوق وكيف أن ذلك أدى - بحسب تقديرات البعض - إلى تحسن الوضع الاقتصادي هناك نتيجة الاعتماد على النفس وعدم المراهنة على الحصول على دعم من الصندوق.
على الرغم من هذه الانتقادات يلعب الصندوق دورا مهما في تقديم مساعدات في شكل قروض للدول التي تعاني مشكلات مالية واقتصادية، ولا ننسى أن الصندوق لا يذهب إلى الدول بل إن الدول هي التي تأتي إليه طلبا للتدخل وإقراضها، وكذلك في كثير من الأحيان يقترن تدخل الصندوق بالمشكلات والأزمات، لكن الحقيقة أن هذه المشكلات والأزمات تسبق تدخل الصندوق وليست في الأغلب نتيجة مباشرة لتدخله في شؤون الدول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي