Author

التقدم التقني ليس صناعة بل حياة

|

استضافت الرياض قبل أسبوع المؤتمر التقني العالمي "ليب" تحت عنوان "نحو آفاق جديدة"، واستقطب كثيرا من المبتكرين والمستثمرين والخبراء والمختصين والمهتمين بالتقنية من كل أرجاء المعمورة، وذلك بتنظيم من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وشركة تحالف، وبمشاركة كبرى الجهات الحكومية والخاصة، وشركات التقنية والاتصالات.

وشارك في المؤتمر مئات المتحدثين والمتحدثات من أكثر من 50 دولة في أكثر من 300 جلسة حوارية، وتناول موضوعات متعددة، منها: التقنية الحيوية، والتقنية المالية، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والواقع المعزز، والأمن السيبراني، وغيرها.
وخلال هذا المؤتمر الدولي ظهر روبوت "سارة" التي ترقص وتتحدث باللهجتين الخليجية والعامية، وترحب بالضيوف في مؤتمر ليب 2023 التقني الدولي، وهي أول روبوت بشري صنع بأيد سعودية، وتمثل "سارة" نقلة تقنية جديدة من ثمار رؤية المملكة 2030.
لقد اتضح جليا خلال الأعوام الأخيرة أن التقنية ليست صناعة فقط، بل أصبحت جزءا لا يتجزأ عن حياة الإنسان، وأنماط حياته، والبيئة التي يعيش فيها، وبذلك يسهم التقدم التقني في تمكين المجتمعات ورقيها ورفاهيتها. وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم قفز إلى نحو خمسة مليارات عام 2022، أي ما يمثل نحو 63 في المائة من سكان الأرض، ومن المتوقع أن ينمو استخدام الذكاء الاصطناعي بمعدلات غير مسبوقة.
ومع صعوبة الحديث عن التقنية ودورها في حياتنا من وحي مؤتمر ليب، إذ لا يتسع المجال لكثير من التفاصيل والأمثلة.

ولعل من أمثلة التطبيقات المذهلة ودورها الحاسم في حياتنا ظهور الطباعة ثلاثية الأبعاد، ويجسدها بناء منزل صغير في الرياض فقد تمت طباعته في سبعة أيام، ثم بناؤه في بضعة أسابيع، لمصلحة وزارة الإسكان، وهو بلا شك يمهد الطريق لمستقبل المباني والمدن الذكية.

وتتميز الطباعة الخرسانية ثلاثية الأبعاد بالسرعة والكفاءة والتنوع، ما يؤدي إلى خفض التكاليف، وحرية التصميم، إضافة إلى الاستدامة.

ولا تقتصر استخدامات تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على البناء، بل طباعة أثاث الشوارع مثل المقاعد ومحطات الحافلات وعناصر الجسور، وتوسعت استخداماتها إلى صناعة الأطراف الاصطناعية والأسنان والمعينات السمعية، وفي المستقبل القريب سيتمكن العلماء من طباعة أعضاء الجسم البشري.
من جهة أخرى، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد من خلال زيادة الإنتاجية في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والصناعة والزراعة، فمثلا يؤدي الذكاء الاصطناعي دورا مهما في أنظمة الري الذكية باستخدام أجهزة الاستشعار والتحليل لمراقبة الظروف المناخية ورطوبة التربة.
وتدرك الحكومات والشركات على مستوى العالم أهمية التحول العالمي نحو الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في أعقاب الثورة الصناعية الرابعة، وترغب في الانضمام إلى قطار التقنية، بدلا من التخلف عن الركب، وذلك من خلال زيادة الاستثمار في التقنيات عموما، والذكاء الاصطناعي والتقنيات القائمة على الحوسبة السحابية والمدن الذكية خصوصا.
وسجلت المملكة خلال الأعوام الأخيرة تقدما مبهرا ومذهلا في مجال استخدام التقنية والذكاء الاصطناعي تجاوز كل التوقعات، وجعلها تقف في الصفوف الأمامية على المستوى العالمي، وذلك نتيجة وضوح الرؤية، ودقة الأهداف، وقوة الإرادة وطموحها المرتفع التي تعكسها رؤية المملكة 2030.
وأخيرا، لتحقيق مزيد من التقدم والإنجازات نتطلع إلى إطلاق مزيد من البرامج الوطنية العملاقة المختصة في التقنية والذكاء الاصطناعي التي ترفع كفاءة الموظفين في الحكومة وقطاع الأعمال، وتسهم في بناء قدرات الشباب وتمكنهم من استخدام التقنية، من أجل تعزيز الإدارة الذكية، وزيادة الإنتاجية، ورفع كفاءة الأداء في مختلف القطاعات بما فيها الخدمات كالرعاية الصحية والتعليم والخدمات البلدية.

ولا يقل عن ذلك أهمية أن تنضم الجامعات الخليجية والسعودية إلى قطار التقنية والذكاء الاصطناعي وكي لا يستمر اعتماد الجامعات على الشركات الأجنبية، لأن التقدم التقني هو السبيل إلى الاستقلال الحقيقي في القرن الـ 21، ومن ثم التحرر من التبعية الاقتصادية والسياسية.

إنشرها