Author

النوستالجيا

|

قليل من الناس من لا يحن إلى الماضي وتشده ذكريات الطفولة ومراتع الصبا، ويبدو أن ذلك أمر فطري جبلي خاصة مع تقدم الإنسان في العمر. وهذا ما يعرف بالحنين إلى الماضي الذي يشمل الحنين إلى أماكن النشأة وإلى الأصدقاء القدامى وإلى بساطة الحياة وإلى تفاصيل صغيرة في بيئة اجتماعية مترابطة وصافية. بل إن الإنسان قد يحن إلى نفسه التي بين جنبيه متذكرا ملامحه حين كان صغيرا ومن ثم شابا يافعا وإلى أحلامه الجميلة التي طوتها الأيام والأعوام. هذا الحنين اتضح أن له أساسا نفسيا رصده علماء النفس وأطلقوا عليه اسم "نوستالجيا Nostalgia" أي الحنين إلى الماضي الجميل، مشيرين إلى أنه يعد آلية دفاع يستخدمها دماغ الإنسان لتحسين الصحة العقلية والنفسية التي تؤدي بدورها إلى فوائد جسدية وعاطفية تحارب الاكتئاب وتعزز الثقة بالنفس والنضج الاجتماعي.
ارجع زمان الأنس من صفحاتي
ما أجمل الأيام بعد فوات
دعني أمتع بالتذكر خطرتي
وعلى الطلول أمتع النظرات
زمن تولى من ربيع حياتنا
في ظله ما أجمل الأوقات
يشير العلماء إلى أن ظاهرة النوستالجيا تكثر عند كبار السن من الجنسين وذلك لرفضهم أو لصعوبة تكيفهم مع الواقع الحالي بكل تفاصيل أحداثه وتطوراته التكنولوجية، لأنها تختلف وقد تتعارض مع ما تربوا عليه ومع الماضي البسيط الجميل الذي نشأوا فيه، ويتضح ذلك من كثرة أحاديثهم وتكرار حكاياتهم عن مراحل حياتهم القديمة، فيأتي الحنين إلى الماضي وكأنه استجابة مناعية نفسية لمواجهة عقبات الحياة وتعقدها وصعوبتها.
أظهر بعض الدراسات العلمية الحديثة أن الحنين إلى الماضي يعطي شحنة إيجابية لدماغ الإنسان على اعتبار أنه يحرك عواطفه، وقد تم رصد هذه الشحنات بواسطة صورة الرنين المغناطيسي للدماغ. الحاضر هو الزمن الوحيد الذي يملك الإنسان مفاتيح سعادته لأنه يعيش فيه. صحيح أن الحنين إلى الماضي شيء جميل وأمر يمد الإنسان بالسعادة والراحة ويمنحه الدفء والشعور بالأمان، لكن كما قال أحد الحكماء إن كل يوم يعيشه الشخص هو نعمة من الله فلا يجب أن يضيعه بالقلق من المستقبل أو بالحسرة على الماضي.
خلاصة القول، نعم لا بأس من الحنين إلى الماضي وتذكر لحظاته الجميلة والبسيطة، لكن ينبغي الحذر أن يكون الإنسان أسيرا لماضيه، بل يجب أن يتطلع إلى الأمام برؤية وحكمة واستعداد تام لبناء مستقبل أفضل له ولمجتمعه.

إنشرها