Author

نشر المحبة والسلام بين البشر

|

لا شك أن التحية بأشكالها وصيغها كافة هي أهم وسائل نشر المحبة والسلام بين البشر، بل إنها تعطي الأمان والطمأنينة بين الغرباء. لذلك أمر ديننا الحنيف بإفشاء السلام ورد التحية أو أفضل منها. ومن الملاحظ بوضوح أن السلام والتحية في صالة انتظار كبيرة أو مجلس عام تشيع الراحة وتبعث على الارتياح بين الجلوس الذين قد لا يعرفون بعضهم من قبل، ثم تمهد الطريق لنشوء التعارف والأحاديث فيما بينهم من خلال شعور كل منهم بالراحة، بدلا من النظر إلى بعضهم بشيء من الارتياب.
والتحية تأخذ أشكالا وصيغا متنوعة، بعضها لفظي، وبعضها الآخر حركي. فالابتسامة تحية، بل صدقة، فقد حثنا المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، بقوله «تبسمك في وجه أخيك صدقة». وعلاوة على تأثيرها السحري في النفوس، فإنها علامة السماحة والصفاء ونقاء السريرة، بل هي لغة من لغات الجسد العالمية التي يفهمها جميع البشر على اختلاف ثقافاتهم ولغاتهم. وإن تعذرت الابتسامة فينبغي الابتعاد عن مقابلة الناس بوجه عابس متجشم يبعث على الكراهية، كما يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق». لذلك فما أحوجنا إلى نشر ثقافة الابتسامة في مدارسنا وأعمالنا وتعاملاتنا كافة.
وتأخذ التحية والسلام بين الناس صيغا أخرى، بعضها لا يخلو من المبالغة وبعض المخاطر الصحية. من أسهل وأفضل التحايا المصافحة يدا بيد. فهي حركة بسيطة وسهلة على من يعانون عجزا أو إعاقة أو إرهاقا، ولا تستغرق وقتا طويلا عند السلام على جمع كبير من الناس. ويعزز ذلك ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أنس قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه، أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ومن أشكال السلام الشائعة تقبيل الرجل للرجل على خده أو في فمه، وهذا غير مقبول، ولم يأت في الأثر الديني ما يؤيده، بل هو مدعاة لنقل الأمراض واختلاط الأنفاس التي قد يكون بعضها كريها. وهناك نمط آخر يسمى "التخشيم" من بعد، أي دون ملامسة طرفي الأنوف، وهو شائع في بعض مناطق المملكة دون غيرها، وهناك "تخشيم" بملامسة طرف أنف الرجل لأنف الرجل الآخر، وهو نمط منتشر في أنحاء كثيرة من دول الخليج العربي. ومن غرائب الأمور أن تجد هذا النوع من التحية في نيوزيلندا في أقصى شرق الكرة الأرضية، بين سكان أصولهم أوروبية، فهناك تحية بين الرجل والرجل، وكذلك بين الرجل والمرأة بملامسة طرفي الأنوف.
وهناك نمط آخر في دول الخليج العربي، أخف وطأة، وهو السلام من خلال تكرار حركة مجاورة الخدين يمنة ويسرة بملامسة قوية وأحيانا بسيطة أو دون ملامسة. فلا شك أن أفضل حركات هذا النمط هي تلك التي تنتهي بعدم الملامسة، وهذا النمط شائع في بعض محافظات منطقة الرياض.
واليوم ومع زيادة تعقيدات الحياة، وكثرة اللقاءات المكتظة بالناس، ومع انتشار الأمراض الفتاكة، فإن من المستحسن التخلص من صيغ السلام المنهكة للعجزة وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، التي تستغرق وقتا كبيرا، وتتطلب جهدا، وتعرض صحة الإنسان للخطر، خاصة في المناسبات الكبيرة. ومثلما نطالب بغرس قيم "الابتسامة" بين الناس وفي نفوس الناشئة من خلال المدارس ووسائل الإعلام، فإننا نطالب بالتخلي عن تقبيل الرجل لأخيه الرجل، والتحايا التي تختلط معها الأنفاس وتسبب انتقال الأمراض وتجهد العجزة وكبار السن أو المسؤولين الذين تتطلب أعمالهم مقابلة أعداد كبيرة من الناس.

إنشرها