الابتهاج بالحياة
العمر مهما طال فهو قصير لذا كان من الحكمة وبعد النظر أن يتعلم الإنسان كيف يقضي حياته سعيدا مبتهجا دون أن يخل بأي أمر مطلوب منه شرعا أو عقلا. صحيح أن الإسلام يوجه المسلم إلى الآخرة ويدعوه لأن يكون قلبه متعلقا بها، لكن نجد أنه أيضا يشتبك مع الدنيا ويدعو إلى التفاعل معها والاستمتاع بها في توازن عجيب ووسطية مثلى لا تجدها في أي من الشرائع الأخرى. "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا" الآية، وفي موضع آخر يقول الحق سبحانه، "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" الآية. إن الإنسان العاقل الذي يريد أن يبتهج بالحياة عليه ألا يربط ذلك بالظروف الخارجية بحيث يؤجل الفرح لحين حصوله على المال أو الأولاد أو الصحة ونحو ذلك، وإنما عليه أن يتيقن أن السرور يعتمد على النفس أكثر بكثير مما يعتمد على الظروف، وهذا واضح في حياة الناس فهناك من يشقى في النعيم وهناك من ينعم في الشقاء.
تجد فقيرا معدما، لكن ابتسامته لا تكاد تفارقه وتجد غنيا تحيط به الكآبة، وبين هذا وذاك تجد أطيافا من البشر لا حصر لها، فأصحاب الأمزجة الحادة أو المتقلبة أو صعبة المراس قلما يبتهجون بالحياة أو يأنسون بها. وللابتهاج بالحياة فإنه يلزم أمران رئيسان أولهما أن يحسن الإنسان تنظيم الحياة في نفسه وفيمن حوله. ينظم حياته مع أهله وأولاده ومع أصدقائه وزملائه في العمل ومرؤوسيه. الأمر الثاني أن يتحلى بالشجاعة مع نفسه فيحسن الظن بالله ويتجنب الخوف من الأمور المستقبلية كالفقر والمصائب والموت ونحوها، فهي أمور لا تقع إلا بتدبير الله وتقديره ومن الحكمة والعقل ألا يجمع الإنسان على نفسه بين الألم بتوقع السوء والألم عند حصوله، وإنما عليه أن يسعد ويبتهج بحياته وإن حدث أمر مستقبلي لا يرغب فيه فعليه أن يقابله بالشجاعة والصبر. وكما يقال في الأمثال "لن تستطيع أن تمنع طيور الهم من أن تحلق فوق رأسك، لكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش فيه".. السعادة لا تباع ولا تشترى، لكنها مفتاح الحياة الجميلة. الإنسان الحصيف هو من يقبل على بهجة الحياة دون إسراف أو مغالاة، يطلبها في محراب المسجد وفي ساحات الحياة.