Author

التحوط في الأسهم السعودية

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد

تطورت أدوات التحوط المتاحة للمستثمرين في سوق الأسهم السعودية في الأعوام القليلة الماضية، ولا يزال هناك كثير مما يؤمل فيه، فالأدوات المتاحة حاليا جيدة إلا أنها بحاجة ماسة إلى رفع مستوى سيولتها اليومية ليتمكن المتعاملون من الاستفادة منها بشكل عملي وبأقل تكلفة ممكنة.
أستعرض في هذه المقالة أهم الأدوات المتاحة للمضاربة والتحوط حاليا في السوق السعودية، وأتطرق إلى آلية عقود الخيارات التي من المتوقع أن يتم طرحها قريبا، وأخيرا أتكلم عن أداة تداول خارجية، لا تخلو من المحاذير، بالإمكان استخدامها لأغراض المضاربة والتحوط في الأسهم السعودية.
نبدأ أولا بالإشارة إلى أن أدوات التحوط تستخدم للوقاية، كما هو معروف تقليديا، لكن هي كذلك تستخدم لأغراض المضاربة، أي أن الناس اعتادوا الحديث عن التحوط والمضاربة كطرفي نقيض، بينما في الحقيقة هما مكملان لبعض، فتجد المضارب يلجأ إلى أساليب التحوط للسيطرة على درجات المخاطرة في مراكزه المالية، والمتحوط يلجأ كذلك إلى أساليب المضاربة لتكملة برنامج التحوط الخاص به.

والتحوط يعني عمل ما يلزم للحد من المخاطر المتعلقة بمحفظة الأسهم لدى الشخص، والسبب أنه لا يمكن لأي مستثمر، مهما علا شأنه وزادت معرفته وتمكن من عمله، أن يجزم بمسار محدد مستقبلي للأسهم، لذا ليس من الحكمة المراهنة على اتجاه واحد وتجاهل الاحتمالات المخالفة الأخرى.
أول وسيلة متاحة حاليا في المملكة هي العقود المستقبلية السعودية الخاصة بحركة مؤشر "إم تي 30"، وهو مؤشر يرصد حركة الأسهم السعودية ويتحرك بشكل شبه مطابق للمؤشر العام "تاسي"، وبذلك يمكن المضاربة والتحوط عن طريق هذه العقود بحيث يتمكن المتداول من تعويض أي نقص في قيمة محفظته من خلال المكاسب التي يحصل عليها عن طريق العقود المستقبلية للمؤشر.

الطريقة هي أن يقوم الشخص ببيع عقود مستقبلية بعدد يكفي لتغطية خسائر المحفظة المحتملة، فمثلا لو أن شخصا لديه محفظة مكونة من عدة أسهم ولديه تخوف من حركة الأسهم في الأشهر القليلة المقبلة، فبإمكانه بدلا من الخروج من السوق والعودة لاحقا القيام ببيع عقود مستقبلية تضمن له ـ إلى حد ما ـ تعويض أي خسارة ورقية يتعرض لها.
من المهم هنا التوضيح أن استخدام العقود المستقبلية للتحوط في مثالنا هذا يحمي من الخسارة إلى حد ما، لكون ذلك يعتمد على طبيعة محفظة الشخص، فإذا كانت مكونات المحفظة مطابقة نسبة وتناسبا لمكونات مؤشر "إم تي 30"، فإن التعويض يكون مطابقا لحجم الخسارة.

وهنا لا شك توجد إشكالية كبيرة لكون معظم محافظ المستثمرين ليست مطابقة لهذا المؤشر، ولا غيره من المؤشرات، وبالتالي فالحماية المتحققة ستكون ضعيفة.
الأهم من ذلك أنه حتى إن كانت محفظة الشخص مطابقة لمكونات مؤشر العقود المستقبلية فهناك قضية متعلقة بطبيعة العقود المستقبلية، وهي أنها بالفعل تقي من الخسارة، لكن في الوقت نفسه تعترض تحقيق أي ربح للمحفظة في حال استمرت الأسهم في الصعود! هذا يعني أن التحوط في العقود المستقبلية يعني عدم تحقيق ربح ولا خسارة للشخص، وبالتالي ما الفائدة منها؟
باختصار الفائدة من التحوط في العقود المستقبلية لمحافظ الأسهم أنها أقل تكلفة على المستثمر من الخروج الكلي ومحاولة العودة لاحقا، إلى جانب أن هناك ضرائب رأسمالية من الممكن احتسابها في حالة البيع، الأمر الذي ينطبق على بعض الناس في بعض الدول، إلى جانب فوائد الاحتفاظ بالأسهم للحصول على الأرباح الموزعة وعدم خسارة حق التصويت، وما إلى ذلك.

ما البديل إذن؟
الحل المتاح حاليا في السوق السعودية لإشكالية عدم تطابق مكونات محفظة الشخص مع مؤشر العقود المستقبلية، هو أن هناك عقودا مستقبلية على أسهم شركات بعينها، وليس على مؤشر الأسهم ككل.

هذا يعني أنه بالإمكان للمستثمر تجنب الخسارة لأسهم شركة محددة يملكها، بحيث لو انخفض سعر سهمها فسيكون هناك تعويض مطابق وناف للخسارة من خلال العقود المستقبلية لهذه الشركة.

لكن لا تزال هناك إشكالية لكون العقود، كما ذكرنا، تمنع وقوع الخسارة وتمنع في الوقت نفسه تحقيق الربح، فما الحل هنا؟
مواصفات الحل المطلوب من قبل المستثمرين والمضاربين هي أن تكون هناك أداة مالية يمكن استخدامها للحد من الخسارة دون التخلي عن الربح الناتج عن صعود أسعار الأسهم، الذي كما ذكرنا لا يمكن الحصول عليه من خلال العقود المستقبلية للمؤشر ولا العقود الفردية.

هذا يعني أن المتداول يبحث عن طريقة تحميه من الخسارة في حال النزول وتتيح له الربح في حال الصعود.
الحل لهذه المعضلة يأتي عن طريق عقود الخيارات وهي سوق أخرى مستقلة من المتوقع إطلاقها قريبا في السوق السعودية، ويمكن عملها حاليا من خلال أسهم صناديق متداولة في الخارج توجد لديها عقود خيارات.

الصعوبة هنا تكمن في أن ذلك يتطلب فتح حساب تداول خارجي من خلال البنوك والوسطاء في المملكة أو مباشرة مع الوسيط الخارجي، والأهم من ذلك أن سيولة عقود الخيارات في هذه الصناديق ضعيفة، لذا لا ينصح بالتعامل بها.
الفوائد العظيمة لعقود الخيارات في التحوط والمضاربة تأتي بتكلفة بطبيعة الحال، فبينما التعامل بالعقود المستقبلية يتم بلا تكلفة، عقود الخيارات تشترى بأسعار تحددها قوى العرض والطلب اليومية.

لاحظ أن الدخول في عقد مستقبلي لا يتطلب أي مبلغ من المال نهائيا، عدا العمولة المعتادة، لكون المال المطلوب من المتداول هو مجرد حجز رصيد قليل نسبيا من حسابه، يسمى الهامش، لتغطية تقلبات أسعار العقد.
إحدى الطرق المستخدمة في عقود الخيارات للتحوط تتم عن طريق شراء عقود توقف الخسارة عند حد معين دون الإخلال بفرص الربح في حال ارتفاع سعر السهم.

كذلك هناك عقود تسمح للمضارب بتحقيق أرباح بنسب أعلى بكثير من النسب المتحققة عن طريق امتلاك السهم نفسه، من خلال ميزة الرافعة المالية لهذه العقود. وهناك أساليب تجمع بين عدة أنواع من هذه العقود لتنفيذ استراتيجيات متنوعة تتناسب مع توجهات المتداول ورؤيته المستقبلية.

إنشرها