بريطانيا تجاهد للخروج من مرحلة الركود

بريطانيا تجاهد للخروج من مرحلة الركود
بريطانيا تجاهد للخروج من مرحلة الركود

بعد وعود الحكومة البريطانية السابقة "بتلال تضيئها الشمس"، عرض جيريمي هانت وزير المالية البريطاني أمس خطة لنمو اقتصاد المملكة المتحدة، متعهدا بالاستفادة من فرص ما بعد "بريكست" وإبقاء الأولوية لمكافحة التضخم رغم الدعوات إلى القيام باقتطاعات ضريبية.
وبحسب "الفرنسية"، جاء عرض الوزير هانت خطة الحكومة المحافظة في حي المال في مدينة لندن، عقب انتقادات من أوساط قطاع الأعمال، مؤكدا أن الدولة ليست بصدد التراجع.
وقال هانت "إن الاعتقاد أن بريطانيا تتجه نحو التراجع كان خاطئا في الماضي، وهو خاطئ اليوم... بعض ذلك التشاؤم يستند إلى إحصاءات لا تعكس الصورة كاملة".
لكن بنك إنجلترا "البنك المركزي" ومكتب الحكومة المكلف بالمراقبة المالية يعتقدان أن الاقتصاد دخل فعلا مرحلة الركود بسبب تداعيات تضخم أسعار المواد الاستهلاكية.
وشرح وزير المالية كيف يمكن لبريطانيا الاستفادة من "حريات" توافرت لها نتيجة خروجها من الاتحاد الأوروبي قبل عامين، إثر استفتاء لمصلحة الانفصال عن التكتل في 2016.
وقال "مثل كل دولة في مجموعة السبع، فإن نمونا كان أبطأ في الأعوام التي أعقبت الأزمة المالية مقارنة بالأعوام التي تلتها. لكن منذ 2010 سجلت المملكة المتحدة نموا بوتيرة أسرع مقارنة بفرنسا واليابان وإيطاليا".
وأضاف "منذ الاستفتاء على بريكست سجلنا نموا بالنسبة نفسها مثل ألمانيا".
وتابع "إذا نظرنا أبعد من ذلك يصبح الاعتقاد أن بريطانيا تتجه نحو تراجع أكثر ضعفا. المملكة المتحدة مهيأة للعب دور ريادي في أوروبا وفي أنحاء العالم في قطاعات النمو التي ستطبع هذا القرن".
سيشرف هانت أيضا على استراتيجية تهدف إلى تعزيز الإنتاجية الضعيفة وتركز على قطاعات رئيسة مثل التكنولوجيا الرقمية والصناعات الخضراء "المراعية للبيئة" وعلوم الحياة والقطاعات التصنيعية والابتكارية المتقدمة.
ورأى أنه من الضروري النظر أبعد من التداعيات على الأنشطة التجارية في "المدى القريب" من جراء "بريكست"، مثل التأخر على الحدود والإجراءات الروتينية ونقص الموظفين.
وأشار إلى "التغيير الكبير في علاقاتنا التجارية مع أقرب جيراننا، وذلك بالطبع سيحتاج إلى تكييف، وبالطبع هناك بعض العرقلة على المدى القريب".
وأضاف "لكنني أعتقد أنه من الخطأ تماما التركيز فقط على ذلك من دون النظر إلى الفرص".
ورفض هانت الدعوات المطالبة من نوابه باقتطاعات ضريبية، عادا التصدي للتضخم المتفشي سيزيد الأموال في جيوب البريطانيين.
وقال أمام حشد من رجال الأعمال "إن أفضل اقتطاع ضريبي حاليا هو خفض التضخم".
يريد ريشي سوناك رئيس الوزراء خفض التضخم الذي يقترب من أعلى مستوى له في 40 عاما عند 10.5 في المائة، بمقدار النصف هذا العام. وهو معدل بدأ يتراجع بعد تجاوزه 11 في المائة مع زيادة بنك إنجلترا معدلات الفائدة.
وأطيح بليز تراس رئيسة الوزراء السابقة العام الماضي، بعد أن أثار مشروع موازنتها القائم على اقتطاعات ضريبية فوضى في أسواق المال، وأدى إلى انهيار الجنيه واستدعى تدخلا عاجلا من بنك إنجلترا لإرساء الاستقرار المالي.
وقال هانت أمس "إن إدارة سوناك عرضت خطة جديدة من أجل ازدهار طويل الأمد".
وأضاف "خطتنا للنمو تقوم على الحريات التي يوفرها بريكست. إنها خطة لزيادة الإنتاجية. إنها خطة تتمثل في استخدام عائدات النمو لدعم خدماتنا العامة في الداخل، لدعم الأنشطة التجارية في الاقتصاد الجديد المتدني الكربون ولدعم الديمقراطية في الخارج".
وقال "إن ذلك هو المسار الصائب لدولتنا وللدور الذي نتطلع إلى أدائه في العالم".
يأتي ذلك في وقت ندمت فيه بلدة أيدت بقوة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث إن جريز، البلدة الواقعة قرب لندن، صوتت بأغلبية ساحقة لمصلحة بريكست. لكن بعد ثلاثة أعوام على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ينتاب البعض شعور بالندم فيما تشهد البلاد أزمة تلو أخرى.
تقول ماريا إيفارس "42 عاما"، "صوت لمصلحة بريكست، لكني نادمة على ذلك"، وتضيف أنها "تشعر بأن السياسيين خدعوها".
وتوضح المستشارة النفسية في البلدة الواقعة على بعد 30 كيلومترا شرق العاصمة البريطانية "لم يقدموا لنا الحقائق كاملة.. أخبرونا بأشياء لم تكن صحيحة".
وتشرح "البلاد الآن مثل سفينة دون ربان"، بعد تنحية رئيسين للحكومة المحافظة العام الماضي أحدهما بوريس جونسون، الذي قاد حملة الخروج من الاتحاد.
في الاستفتاء عام 2016، صوت 72.3 في المائة من الناخبين لمصلحة الخروج من "بريكست" في دائرة ثوروك في منطقة ساسكس التي تضم جريز وهي أكبر بلداتها ويسكنها نحو 75 ألف شخص.
كانت النسبة رابع أكبر نتيجة مؤيدة لـ"بريكست" ضمن 382 منطقة تصويت في بريطانيا أيدت الانفصال.
واختار نايجل فاراج، المشكك في هيئات الاتحاد الأوروبي، دائرة ثوروك مكانا للإعلان عن برنامجه المناهض للاتحاد للانتخابات العامة في أيار (مايو) 2015.
والمنطقة التي كانت تعتمد على الصناعة واستقبلت عديدا من المهاجرين من شرق أوروبا، تضم أيضا "تيلبوري" أحد أكبر موانئ الحاويات في البلاد.
في 2017، وجد أنه لم يكن لدى المؤيدين لـ"بريكست" ندم يذكر على تصويتهم بعد عام. لكن مفاعيل الخروج من الاتحاد لم تظهر بالكامل إلا بنهاية كانون الثاني (يناير) 2020.
وعد جونسون بريطانيا "بتلال تضيئها الشمس". لكنها حصلت على كوفيد وتشهد الآن أزمة تكلفة معيشة خانقة نجمت عن تضخم مرتفع جدا.
ومجلس ثوروك المحلي أفلس فعليا في كانون الأول (ديسمبر) بعد سلسلة من الاستثمارات الكارثية.
وفي وسط بلدة جريز المخصص للمشاة وضعت على نافذة متجر مهجور لافتة "مغلق إلى الأبد".
ومثل عديد من الشوارع الرئيسة الأخرى في بريطانيا، فإن معظم المتاجر المتبقية يهيمن عليها تجار التجزئة الذين يقدمون حسومات ويعرضون سلعا بجنيه واحد، ومتاجر خيرية ومكاتب رهانات.
وفيما تعزو الحكومة الصعوبات الاقتصادية في بريطانيا إلى الوباء والحرب في أوكرانيا، تلقي باللائمة بشكل متزايد على "بريكست" في تراجع البلاد بعد أن أغلقت الحدود مع السوق الأوروبية الموحدة عبر بحر المانش من إيسكس.
وقالت امرأة أخرى تبلغ 50 عاما طلبت عدم الكشف عن هويتها، "نعم صوت لمصلحة بريكست، وليتني لم أفعل ذلك".
وأضافت "انظروا إلى البلاد الآن. إنها كارثة، أليس كذلك؟". موضحة أن معظم الأشخاص الذين تعرفهم نادمون على تصويتهم بـ"نعم".
وقالت إيفارس "إن الذين دافعوا عن تصويتهم لبريسكت يشعرون الآن بالإحراج، بل بالخجل".
ولم ينخفض مستوى التأييد لـ"بريكست" في أنحاء البلاد إلى هذا الحد من قبل، وفق استطلاع أجرته مؤسسة "يوجوف" ونشر في نوفمبر.
ويعتقد أقل من ثلث البريطانيين أنه كان قرارا صائبا، أي أن واحدا من كل خمسة مؤيدين للخروج غيروا رأيهم بحسب الاستطلاع.
وتساءل موظف لدى خدمة الصحة الوطنية في جريز، أراد البقاء في الاتحاد "ما الذي كان يتوقعه المؤيدون لبريكست؟". مضيفا "خسرنا تمويل الاتحاد الأوروبي".
إنقاذ خدمة الصحة الوطنية NHS كان شعارا لحملة جونسون للخروج من الاتحاد. فقد كتب على حافلة حملته الانتخابية الحمراء "نرسل إلى الاتحاد الأوروبي 350 مليون جنيه استرليني أسبوعيا. لنمول NHS بدلا من ذلك".
وحاليا ينظم عمال خدمة الصحة الوطنية، ممن يشملون للمرة الأولى ممرضين وممرضات، إضرابات احتجاجا على الرواتب التي تقدمها الحكومة.
لكن إيلين ريد البالغة 73 عاما التي كانت تعمل في قطاع المال في لندن، ليست ضمن معسكر النادمين.
وقالت "قد أصوت مجددا لمصلحة الخروج".
وأضافت "نحن نعيش على جزيرة، انعزاليون. شعرت بأننا فقدنا السيطرة. بروكسل نقضت عديدا من القوانين".
وتابعت "كثير من الأمور حدثت، إلى حد لم تتح لنا الفرصة لرؤية كل فوائد بريكست".
والمملكة المتحدة هي الاقتصاد الوحيد في مجموعة السبع الذي لم يعد ناتجه المحلي الإجمالي إلى مستويات ما قبل الوباء.
ويقدر مكتب الحكومة البريطانية المكلف "مسؤولية الموازنة" أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيخفض حجم الاقتصاد البريطاني بنحو 4 في المائة في المدى البعيد.
لكن لا حكومة ريشي سوناك رئيس الوزراء المحافظة ولا حزب العمال المعارض يعدان بتغيير المسار، بل تعهدا بإنجاح بريكست.
وقال راي ييتس "70 عاما" عامل الميناء السابق "إن الوضع في ثوروك مخيف"، مشددا في الوقت نفسه "لا أزال أؤيد بريكست".
وأضاف "لكن الأمر سيحتاج إلى بعض الوقت، أقله عشرة أعوام، وحكومة جديدة".
من جهة أخرى، من المقرر أن يصوت مزيد من العاملين في القطاع العام على تنظيم الإضرابات بشأن الأجور والوظائف في بريطانيا، ما يهدد بإضراب واسع النطاق في الوظائف الحكومية.
ونقلت وكالة الأنباء البريطانية "بي آيه ميديا" عن النقابة العمالية "بروسبكت" أن آلافا من أعضائها سيصوتون خلال الأسابيع المقبلة بشأن تنظيم إضراب، احتجاجا على وضع سقف بنسبة 3 في المائة على عروض الأجور، والتهديدات بخسارة الوظائف وخفض مقترح على شروط التعويضات.
وبدأ التصويت الجمعة وسيتم الكشف عن النتيجة في نهاية فبراير بما في ذلك العاملون في الإدارات الحكومية وغيرها من المجالات، بما في ذلك مكتب الأرصاد الجوية و"ناتشرال إنجلاند" الاستشارية وإدارة الصحة والسلامة.
وفي استطلاع استرشادي تم أخيرا، صوت أعضاء "بروسبكت" بأغلبية ساحقة في مصلحة تنظيم إضراب وغيره من أشكال الإضراب.
إلى ذلك، قال جيريمي هانت وزير الخزانة البريطاني "إن خط السكك الحديدية الحكومي فائق السرعة سيمتد إلى وسط لندن"، نافيا تقريرا بأنه سينتهي في الضواحي، لخفض النفقات.
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن هانت بعد إدلائه بخطاب في مقر وكالة "بلومبيرج" الأوروبي في لندن "لا أرى أي ظروف معقولة تؤدي إلى عدم وصول خدمات السكك الحديدية إلى محطة يوستن".
ولم تنف وزارة المواصلات في وقت سابق من اليوم تقريرا نشرته صحيفة "ذا صن"، مفاده أنه قد يتم إلغاء محطة يوستن النهائية في لندن، أو أن يتم إرجاء تشييدها حتى 2038، على أن تسير القطارات بدلا من ذلك من مركز جديد في محطة أولد أوك كومن، غربي لندن".

الأكثر قراءة