Author

الديون .. ماذا لو تخلفت أمريكا؟

|

مسلسل وصول الدين الأمريكي إلى الحد المسموح به من قبل الكونجرس الأمريكي يتكرر هذا العام بعد أن وصل الدين الأمريكي إلى 31.5 تريليون دولار، في حين أن المشكلة ذاتها تكررت 78 مرة في الأعوام الماضية، وفي كل مرة من هذه المرات يتم التوصل إلى حل يسمح للحكومة بمواصلة الاقتراض وتحديد سقف جديد. بداية 2023 دقت وزيرة الخزانة الأمريكية ناقوس الخطر مشددة على أنه إن لم يتم رفع السقف فمن الممكن أن تتعثر الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها المتعددة من سداد ديون مستحقة ودفع فوائد ديون قائمة إلى جانب المصروفات الحكومية الأخرى.
المصروفات الحكومية السنوية تتجاوز ستة تريليونات دولار، والعجز السنوي لعام 2022 كان 1.4 تريليون دولار. ماذا لو أن حكومة الولايات المتحدة لم تستطع رفع سقف الاقتراض خلال الأشهر القليلة المقبلة؟ وماذا يعني التعثر المالي للحكومة؟ وما تأثير ذلك في الأسواق المالية والاقتصادين الأمريكي والعالمي؟
الدين الأمريكي العام يعادل نحو 94 ألف دولار عن كل مواطن أمريكي، حيث يتجاوز حاليا 31.5 تريليون دولار، نحو سبعة تريليونات دولار عبارة عن مديونية لجهات حكومية وشبه حكومية كمؤسسات التقاعد، ونحو 24 تريليون دولار ديون عامة لحكومات دولية وأفراد ومؤسسات وبنوك. من تلك الجهات التي تمتلك جزءا كبيرا من ديون الحكومة هناك مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يقوم بشراء السندات الحكومية بعد إصدارها، وهي العملية التي تسمى توريق الدين أو طباعة النقود، حيث يقوم الفيدرالي بشراء السندات من السوق وإيداع أثمانها في الحسابات البنكية للبائعين، ما يعرف بضخ السيولة، وهو الإجراء المتبع في عمليات التيسير الكمي.
عدا التأثيرات السلبية المباشرة في الموظفين الفيدراليين والمشاريع الحكومية، مشكلة عدم القدرة على الاقتراض تعني أن عجز الميزانية الحكومية سيتفاقم، ولن تستطيع الحكومة سداد خدمة الدين التي تقدر بأكثر من 600 مليار دولار في العام الواحد، والمشكلة الأكبر من ذلك هو أن تعثر الحكومة عن السداد سيغير من التقييم الائتماني للحكومة الأمريكية. ولا تزال وكالات التصنيف الائتماني تمنح الحكومة تقييما بعلامة AAA وهو أعلى علامة تقييم تمنح لأي مقترض، باستثناء وكالة "إس آند بي جلوبال"، التي تقيم الحكومة بدرجة أقل من ذلك، AA+، بسبب مخاطر الديون وعجوزات الميزانية، كما تراها الوكالة.
لا شك أن تعثر الحكومة عن السداد سيؤثر سلبا في تقييم الحكومة، ولن تستطيع الحكومة الاقتراض بالنسب المتدنية، التي استفادت منها لأعوام طويلة. وبحكم أن معدلات الفائدة ارتفعت العام الماضي من نحو الصفر، فيما يخص معدل التمويل الفيدرالي، إلى أكثر من 4 في المائة، وبسببها ارتفعت معدلات السندات العشرية التي تعتمد عليها الحكومة في عمليات الاقتراض من 1.7 في المائة إلى نحو 3.5 في المائة حاليا، فإن الحكومة معرضة لتحد ثنائي من حيث ارتفاع معدلات الفائدة لأسباب اقتصادية مالية من جهة واحتمال ارتفاع معدلات الفائدة بوجه خاص على الحكومة دون غيرها!
يلحظ في المرات السابقة حين يثار موضوع سقف الدين أن تكون هناك عمليات بيع كبيرة للسندات الحكومية المستحقة خلال فترة الأشهر القليلة للتاريخ المتوقع لتعثر الحكومة، وهي حاليا السندات المستحقة في صيف 2023، حيث تنخفض أسعارها ويرتفع معها العائد بسبب تخوف المستثمرين من احتمالية تعثر الحكومة عن السداد، ولكن في جميع المرات السابقة تعاود السندات عافيتها سريعا بعد أن يتم التوصل إلى حل لقضية السقف.
مشكلة سقف الدين الأمريكي ليست أمريكية فقط، بل إنها دولية، كون هناك جملة من الأدوات المالية المسعرة، وفقا لمستويات الفائدة على أدوات الدين الحكومية الأمريكية، التي تعد الأقل عائدا والأعلى موثوقية على مستوى العالم، وبالتالي فإن أي اختلال بها وبمكانتها الائتمانية سيؤدي إلى انعكاسات سلبية في عدد من الأصول المالية وغير المالية، بما في ذلك الأسهم والعقار وغيرهما.

إنشرها