FINANCIAL TIMES

بلغة الأرقام .. الاقتصاد البريطاني غارق في اليأس

بلغة الأرقام .. الاقتصاد البريطاني غارق في اليأس

في وقت العجز، بالتأكيد لا نفتقر إلى التوقعات الاقتصادية القاتمة. تشير مؤسسة ريزولوشن فاونديشن للأبحاث إلى أن متوسط الأرباح الحقيقية قد انخفض 7 في المائة منذ العام الماضي، وتتوقع أن تستغرق الأرباح أربعة أو خمسة أعوام لتعود إلى مستويات كانون الثاني (يناير) 2022.
مع ذلك، إذا كانت التوقعات سيئة، فإن المشهد من الماضي المنعكس على مرآة الرؤية الخلفية هو المرعب حقا. الاقتصاد البريطاني في حالة يأس وكآبة منذ جيل، في كارثة اقتصادية بطيئة الاشتعال. بالكاد زاد نصيب الفرد من دخل الأسرة الحقيقي المتاح للإنفاق منذ 15 عاما.
هذا ليس طبيعيا. منذ 1948، زاد مقياس القوة الشرائية هذا على نحو موثوق في المملكة المتحدة، حيث يتضاعف كل 30 عاما. ارتفع نحو الضعف في 1978 عما كان في 1948، وكان على وشك التضاعف مرة أخرى بحلول 2008، قبل وقوع الأزمة المالية. اليوم، عاد إلى مستويات ما قبل الأزمة.
يجدر بنا أن نسهب في هذه النقطة لأنها غير عادية. لو استمر اتجاه ما قبل الأزمة على عادته، لكان البريطاني العادي أغنى 40 في المائة عن الآن. بدلا من ذلك، لم يكن هناك تقدم محرز على الإطلاق. لا عجب أن معهد الدراسات المالية يتحدث الآن عن عقد ضائع ثان.
عد وابحث عن سوابق تاريخية لهذا، ولن تجد الكثير. في مجلة المعهد الوطني الأكاديمية، درس كرافتس وتيرينس ميلز المؤرخان الاقتصاديان نمو إنتاجية العمل على المدى الطويل. "يعرف هذا على أنه الناتج الإجمالي لاقتصاد المملكة المتحدة مقسوم على إجمالي عدد ساعات العمل، ترتبط إنتاجية العمل ارتباطا وثيقا بمستويات المعيشة المادية". لقد وجدا سوابق شهدت أداء أسوأ -1760 إلى 1800 وهي ليست مثيرة للاهتمام- لكن لا توجد فترة يتذكرها الناس. لم يجدا فترة من 260 عاما من البيانات مرت بعجز أشد من الاتجاه السابق. كانت الأعوام الـ15 الماضية مخيبة للآمال بقدر لم تكن الأجيال السابقة من الاقتصاديين البريطانيين لتتخيله.
يمكن ترك الأسئلة المتعلقة بكيفية حدوث ذلك، وما الذي يمكن فعله لتغيير الأمور، لعمود آخر. لكن الأمر يستحق البحث عن الأعراض. هل الحياة في المملكة المتحدة سيئة حقا كما تشير الأرقام الاقتصادية السيئة المنذرة بالشؤم؟ ربما. توجد بعض المشكلات الواضحة: القلق السائد إزاء تكاليف المعيشة، والإضرابات في كل مكان، والفشل الذريع للرعاية الصحية الطارئة في المملكة المتحدة.
هناك أيضا مؤشرات أقل وضوحا تدل على أمراض اقتصادية مزمنة. ولنتأمل هنا الوضع المالي العام. في عالم مثالي، تقدم الحكومات لمواطنيها ضرائب منخفضة وخدمات عامة ممتازة وديونا وطنية منخفضة. في ظروف عادية، لا يمكننا التمتع بها جميعا. في الوقت الحالي، لا يمكننا التمتع بأي منها.
نشهد ضرائب متزايدة. وبمساهمتها في أكثر من 37 في المائة من الدخل القومي، فهي أعلى أربع نقاط مئوية عما كانت على مدى العقود الأربعة الماضية. لكن هذه الضرائب المرتفعة لا تسهم في دعم الخدمات العامة، التي تتقلص ميزانيتها باطراد لأكثر من عقد. "صدق أو لا تصدق، هيئة الخدمات الصحية الوطنية (إن إتش إس) محصنة من هذا التقليص، إذا كان الوضع سيئا في قسم الطوارئ في المستشفى المحلي، فلا تفكر بعمق في المدارس أو المحاكم أو الخدمات الاجتماعية". يضع النمو المنخفض ضغوطا على تسويات الأجور في القطاع العام، إذا لم تنم الكعكة، فلا عجب أن هناك قتالا على كل قطعة.
ربما يأمل المرء على الأقل أن تكون الديون منخفضة وتتناقص، في ظل الضرائب المرتفعة وقيود الإنفاق. لكن لا. الدين مرتفع، والعجز دائم، وارتفعت مدفوعات الفائدة على الدين العام إلى مستويات لم تشهدها منذ 40 عاما.
كثير من الناس يكافحون لدفع ثمن الأساسيات. وجدت دراسة استقصائية واسعة أجرتها مؤسسة ريزوليوشن في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) أن نحو ربع الأشخاص قالوا "إنه ليس بإمكانهم تحمل مدخرات منتظمة قدرها عشرة جنيهات استرلينية شهريا، ولا يمكنهم إنفاق مبالغ بسيطة على أنفسهم، ولا يمكنهم تحمل تكاليف استبدال السلع الكهربائية، ولا يمكنهم تشغيل التدفئة عند الحاجة". قبل ثلاثة أعوام، ذكرت قلة فقط من غير المحظوظين -بين 2 و8 في المائة- أنهم تنتابهم مخاوف مثل هذه بشأن الإنفاق. قال أكثر من 10 في المائة من المشاركين "إنه كانت هناك مرات خلال الـ30 يوما السابقة لم يأكلوا فيها عند شعورهم بالجوع لعدم امتلاكهم المال لشراء الطعام".
لا يفترض أن يحدث هذا في واحدة من أغنى دول العالم، لكن لم تعد المملكة المتحدة ضمنها. وفقا لزميلي جون بيرن مردوك، فإن متوسط الدخل في المملكة المتحدة أقل كثيرا من متوسط دول مثل النرويج أو سويسرا أو الولايات المتحدة، وأقل كثيرا من متوسط الدول المتقدمة. دخل الفقراء، شريحة الـ10 في المائة الأدنى دخلا، أقل في المملكة المتحدة عما في سلوفينيا.
إذا حدث كل هذا خلال فترة ركود عميق، لتمسكنا بالأمل. سنقول لأنفسنا "يوما ما، ستتحول دورة الأعمال، وتبدأ الشركات في التوظيف مرة أخرى، وتزداد عوائد الضرائب وتختفي بعض مشكلاتنا من تلقاء نفسها".
لكننا لسنا في ركود عميق. في الآونة الأخيرة، كانت البطالة أقل من أي فترة سبقت ولادة رئيس الوزراء، ما يشير إلى أن حدوث ارتفاع دوري دراماتيكي أمر مستبعد. يضغط الاقتصاد البريطاني على دواسة البنزين حتى أقصاها لكنه بالكاد يزداد سرعة. من غير المحتمل أن يتحسن هذا مع ضغط بنك إنجلترا على المكابح.
لا أرى أن الوضع يائس. المملكة المتحدة تتمتع بنقاط قوة كثيرة وموارد عديدة وسبق أن تغلبت على المحن. لكن إذا أردنا حل هذه المشكلة الاقتصادية المزمنة معا، فعلينا أولا أن نعترف بمدى خطورتها ومدى عسرها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES