FINANCIAL TIMES

هيئة الخدمات الصحية الوطنية ليست في أزمة بل حالة طوارئ

هيئة الخدمات الصحية الوطنية ليست في أزمة بل حالة طوارئ

غالبا ما يتم طرح كلمة "أزمة" هنا وهناك بمنتهى الحرية، لكن مع تقديم إحصائية كئيبة جديدة كل يوم عن حالة خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا -من الأعداد المرتفعة للوفيات الزائدة إلى أوقات انتظار سيارات الإسعاف المروعة إلى الأعداد الكبيرة من الكوادر الطبية التي تغادر- سيكون من الصعب القول بأن الوصف لا ينطبق على هذه الحال.
قال كير ستارمر، زعيم حزب العمال، خلال عطلة نهاية الأسبوع إن خدمة الصحة الوطنية "لم تكن جاثية على ركبتيها فحسب، بل كانت على وجهها"، واصفا هذه الأزمة "بأسوأ أزمة مررنا بها على الإطلاق". هذه أكثر من مجرد مبالغة من حزب معارض، فقد تردد صدى كلماته على نطاق واسع من قبل مسؤولي الصحة ووسائل الإعلام، بما فيها الصحافة الأجنبية، الذين يستخدمون المصطلح نفسه.
مع ذلك، لا يبدو على الإطلاق أننا في حالة أزمة، تحدث رئيس الوزراء عن "التأخيرات غير المقبولة" في أوقات انتظار سيارات الإسعاف وفي قسم الحوادث والطوارئ، وعقد "منتدى التعافي" الأسبوع الماضي مع قادة الصحة، لكنه رفض أيضا وصف الأمر على أنه أزمة. بينما يهيمن الوضع على كثير من عناوين الأخبار، إلا أنه يخوض معركة خاسرة للتغطية مع الأمير هاري. نحن لا نقرع القدور كل خميس لنخبر أطباءنا وممرضاتنا بأننا لا نزال نحبهم. ولا ننشر صور الأشخاص الذين يبلغ عددهم نحو 300 إلى 500 شخص الذين يتوفون كل أسبوع بسبب التأخير في أوقات استجابة الرعاية في حالات الطوارئ.
لماذا لا نرى أزمة هيئة الخدمات الصحية الوطنية الحالية على أنها حالة طوارئ؟
استخدام كلمة "أزمة" بحد ذاتها -رغم أنها مبررة بشكل كامل- جزء من المشكلة. لا توجد حدود واضحة أو مقياس كمي يمكنه بسهولة أن يميز موقف سيئ للغاية عن الأزمة، وبالنظر إلى مدى انتشار استخدامها هذه الأيام، فقد فقدت الكلمة بعضا من عنصر الصدمة الخاص بها.
من الصعب التفكير في لحظة واحدة في الأعوام الأخيرة في حين لم نكن في قبضة أزمة أو أخرى، بل نواجه عادة عدة أزمات في الوقت نفسه. يظهر "عارض ن-جرام" من شركة جوجل، الذي يبين عدد مرات استخدام الكلمات، أن تكرار كلمة "الأزمة" ارتفع بشكل حاد منذ الستينيات وما بعدها. لذا يبدو من العدل أن نفترض أننا نعاني درجة معينة من إجهاد الأزمة في هذه المرحلة لكن دون شعور بالحاجة الملحة للتعامل معها.
في غضون ذلك، انخفض استخدام كلمة "الطوارئ" بشكل سريع منذ الأربعينيات وتجاوزتها كلمة "الأزمة" في نهاية الثمانينيات. في حين أن الأزمة هي فترة من الصعوبة أو الخطر الشديد، فإنها تفتقر إلى حالة الاستعجال لحالة الطوارئ – والواجب الأخلاقي بالتدخل الفوري.
يجادل أكسل برانين ستيري، باحث في جامعة هارفارد، بأن هذا الالتزام هو فعليا "نظام تأمين غير رسمي" نشأ لأنه الطريقة الأكثر عقلانية للتعامل مع حالات الطوارئ. يخبرني ستيري: "لأن هناك كثيرا من الأمور يمكن أن تكون معرضة للخطر بالنسبة لنا (...) نريد حقا وجود الناس هناك (...) وأن يقدموا تضحيات غير محدودة تقريبا من أجل أطفالنا، مثلا".
إذا لم يتم تصنيف الوضع الحالي على أنه حالة طوارئ، فسيكون هناك ضغط أقل للتدخل العاجل.
مع ذلك فإننا نواجه حالة طوارئ على الصعيد الوطني. لا يتعلق الأمر فقط بالأعداد غير المقبولة للوفيات التي يمكن تجنبها، وأوقات الانتظار، ونقص الأسرة والظروف التي لا تطاق للعاملين في المجال الطبي. كما أنه يهدد فهمنا لما يعنيه أن يكون المرء بريطانيا. لقد وافق أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين في استطلاع أجرته شركة إبسوس العام الماضي على أن "هيئة الخدمات الصحية الوطنية ضرورية للمجتمع البريطاني ويجب علينا بذل كل ما في وسعنا للحفاظ عليها". وصف وزير الحكومة السابق المحافظ نايجل لوسون ذات مرة الأمر على أنه "بالنسبة للإنجليز، الأمر أقرب ما يكون إلى العقيدة".
إذن، كيف يمكن أن يتمزق نسيجنا المجتمعي، إذا استبدلنا إحساسنا بالفخر بالنظام وإيماننا بوجود شبكة أمان متاحة إذا احتجنا إليها بالعار وعدم الثقة بالنظام؟
تشير فيونا وولارد، أستاذة الفلسفة في جامعة ساوثامبتون ومؤلفة كتاب فعل الضرر والسماح به، إلى حقيقة أن أزمة هيئة الخدمات الصحية الوطنية كانت تتراكم منذ بعض الوقت تجعل من الصعب تصورها على أنها حالة طارئة. يمكن أن يساعد هذا في تفسير الاستجابة الضعيفة.
أخبرتني وولارد: "إننا بحاجة إلى التصرف لأن هناك أشخاصا يموتون الآن بسبب حالات التأخير. لكن حقيقة أنها مستمرة تخفي ذلك تقريبا. نعتقد نوعا ما أن المشكلة ستستمر حتى لو لم نتصرف الآن (...) وهذا يجعل رؤية الوضع باعتباره حالة طوارئ أكثر صعوبة".
هذا لا يعني، بالطبع، أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية تحتاج ببساطة إلى حل سريع. تطبيق الإجراءات العاجلة لا ينفي الحاجة الماسة إلى استثمارات طويلة الأجل وإصلاحات هيكلية معقدة. لكن في حين أن التفكير في الألفاظ والمسميات لن يساعد كثيرا من المرضى والمهنيين الطبيين الذين يحتاجون إليه، فنحن بحاجة إلى الإقرار بأن هيئة الخدمات الصحية الوطنية ليست في أزمة فحسب، بل إنها في حالة طوارئ بحد ذاتها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES