Author

العالم الرقمي .. هل تقتل ثقافة المنظمة استراتيجيتها؟

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

يعرف التحول الرقمي على أنه حقيبة متكاملة تستهدف تغييرا ثقافيا واستراتيجيا وتنظيميا وتشغيليا لمنظمة أو صناعة ما من خلال التكامل الذكي للتقنيات والعمليات والكفاءات الرقمية عبر مستويات الهيكل التنظيمي الداخلي وخارجه، وذلك من أجل البقاء والاستدامة والبحث عن الربحية والميزة التنافسية والعائد على الاستثمار في العصر الرقمي.
ويرتكز التحول الرقمي على ثلاثة أعمدة أساسية: الاستراتيجية الرقمية والتقنيات الرقمية والثقافة الرقمية.

فالاستراتيجية الرقمية تشمل العملاء والمستهلكين والتنافسية والبيانات والابتكار والقيم، وتعنى التقنيات الرقمية بالبرامج، التي تسهل عمل الاستراتيجية الرقمية، وتقوم على تنفيذها، مثل الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل والروبوتات وغيرها، وتحدد الثقافة الرقمية الأدوار والموظفين والقيادة والمهارات الضرورية والعمليات والأدلة والتصاميم والهيكل التنظيمي وإدارتي التغيير والمخاطر، إضافة إلى السلوك وفرق العمل.

إن الثقافة الرقمية هي مكان عمل يتشكل ويتأثر بالأدوات والتقنيات الرقمية، وفي الشركات ذات الثقافة الرقمية المتقدمة، يستخدم معظم الموظفين التقنيات الرقمية للتعاون والابتكار ومنح العملاء إمكانية الوصول إلى المنتجات والخدمات والدعم.

وتفهم ثقافة المنظمات على أنها تلك التي تعكس جميع معتقدات الشركة وقيمها ومواقفها وكيفية تأثير هذه العوامل على سلوكيات وأداء موظفيها.
وتتأثر ثقافة المنظمة بسلوكيات قائدها والإدارة التنفيذية، ودائما ما نرى أن ثقافة المنظمة تأكل أو تقتل استراتيجيتها تماما مهما كانت الاستراتيجية رائعة.

حتى لو أعلنت المنظمة القدرة على تنفيذ الاستراتيجية بكل حذافيرها، فإن الثقافة يجب أن تمثل جزءا رئيسا من تلك القدرة.

لقد فشل 75 في المائة تقريبا من التحولات الاستراتيجية في تحقيق النتائج الموعودة، ولذا يقوم عديد من المنظمات بمراجعة وتعديل استراتيجياتها لمراعاة الرياح الاقتصادية المغايرة وتحولات السوق.

وإذا لم تتماش الاستراتيجية والثقافة معا، فإن الثقافة تعمل كجهاز مناعي للمنظمة. وإذا كان الجسم مصابا بعدوى، فإن الجهاز المناعي للمنظمة يتعامل معها، ولذلك تفرض ثقافة المنظمة نفسها إما بشكل إيجابي أو سلبي للحفاظ على الوضع الراهن لكيانها الإيجابي أو السلبي.

ولو درسنا سبب فشل التحول الرقمي في شركات كبيرة مثل "جنرال إلكتريك" و"فورد" وغيرهما لوجدنا أن ذلك الفشل يعزى إلى قصور الإدارة العليا في توصيل الأهداف والاستراتيجية والتوقعات بشكل فعال إلى موظفيها، الذين ليس لهم طرف في المشكلة، وعليه، فإن ثقافة المنظمة تفتقد عامل التواصل بين الإدارة التنفيذية والموظفين.

مثال آخر، فقد أوضحت شركة ديلويت الاستشارية في أحد تقاريرها الإحصائية أن ضعف استراتيجية التحول الرقمي لإحدى الشركات ناجم عن عدم ثقة القادة بقدراتهم أو قدرات موظفي المنظمة لتطبيق الاستراتيجية.

ولذلك، فإن أحد جوانب الثقافة يستوجب مشاركة الإدارة العليا للمنظمة في عمليات التحول الرقمي مع عموم الموظفين وبسط الثقة بهم.
إن من الضروري تحديد القيم والخصائص الثقافية، التي يجب إظهارها من أجل دعم الاستراتيجية الرقمية وتمكينها، بيد أن تلك القيم والتطلعات الثقافية المعلنة لا معنى لها إذا تم التغاضي عن السلوكيات السلبية حتى لو عبر القائد عن الثقافة الإيجابية.

وعندما يتم دعم السلوكيات القائمة على القيم بما يتماشى مع الاتجاه الاستراتيجي، فإن المنظمة ستمضي قدما في العالم الرقمي دون أن تجابه أية معوقات داخلية.

ولكن في حالة عدم التوافق بينهما فيمكن للثقافة أن تجعل الاستراتيجية تحيد عن مسارها المخطط لها، بل وتقتلها في مهدها، ولذلك دائما ما ينادى بضرورة مواءمة الثقافة والاستراتيجية بصورة إيجابية.

وبالفعل، فإن العمل الثقافي شرط مسبق لإطلاق أي استراتيجية، بل يجب توفير الموارد والإمكانات من أجل تنفيذها مثل بناء القدرات وتعزيز المهارات الرقمية ومراقبة السلوكيات والأداء وتشكيل الهيكل التنظيمي المناسب وغيرها.

إنشرها