نجد .. عروس المطر

تعد "نجد" رغم صيفها الذي ترتفع درجات حرارته حتى تلامس الـ50 ورياحه ذات الغبار الكثيف، من أجمل وأروع الأماكن في العالم حين تغمر وديانها الأمطار وتعانق جبالها رياح الوسم اللطيفة وتمتزج برمالها الصفراء حبات البرد البيضاء، فتسيل سدودها وتتدفق شلالات مياهها بشكل سحري يبهر الألباب. تتحول نجد في فصل الأمطار والشتاء إلى لوحة فنية سبحان مبدعها، فتتزين تلك الصحراء القاحلة بأزهار الشيح والبابونج وشقائق النعمان والأقحوان والخزامى والحميض والقرقاص والجرجير البري وكثير من النباتات الأخرى، أما أشجار الطلح والأثل والسدر فيكون شكلها مختلفا في موسم الأمطار، لنجد العذية عشق في قلب قيس بن الملوح ينافس عشق ليلى حيث يقول:
أكرر طرفي نحو نجد وإنني
إليه وإن لم يدرك الطرف أنظر
حنينا إلى أرض كأن ترابها
إذا أمطرت عود ومسك وعنبر
يكمن عشق نجد العذية في ذلك الحنين الذي يتقد في صدور ساكنيها كلما أوغلوا في البعد عنها، فحتى لو سكنوا أفخر فنادق لندن وباريس وسويسرا، فإن الاشتياق لنجد العذية سيمسك بتلابيب قلوبهم ويهزم جيوش التصبر في أرواحهم، فيعودون إليها وهم يرددون قول الشاعر ابن الدمينة:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
لقد زادني مسراك وجدا على وجد
في الأيام الماطرة التي تهطل حباتها بغزارة فوق ثرى نجد تجد أن قلوب ساكنيها قد تحولت إلى فياف خضراء من العشق والوله والارتياح النفسي، لكأنما غشيت أرواحهم سيول الوسم والمربعانية قبل أن تغشى الأودية والسدود، الاستبشار بالغيث يجعل قلوب ساكنيها كقلوب أطفال يتراقصون تحت المطر غير عابئين بصراخ أمهاتهم ولا "النطنطة" دون أحذية، يغمضون أعينهم ويفتحون أفواههم ليتلقفوا حبات المطر المتساقطة. تتحول نجد العذية أيام المطر إلى مهرجان شعبي يتباشر فيه الأهل والأحباب خبر السيول ويتنفسون شيحا وخزامى ويستمتعون بجريان أوديتها وتلالها، في أيام المطر تصبح نجد العذية عروسا تغذ الطرف خجلى وهي تستمع للشاعر الأمير خالد الفيصل حين يقول في قصيدة جميلة له تنبض أبياتها بعشق نجد:
سريت ليل الهوى لين انبلج نوره
أمشي على الجدي وتسامرني القمرا
طعس وغدير وقمر ونجوم منثورة
وأنفاس "نجد" بها جرح الدهر يبرا
"يا نجد" الأحباب لك حدر القمر صورة
طفلة هلال وبنت أربع عشر بدرا
حبيبتي "نجد" عيني فيك معذروة
معشوقة القلب فيها للنظر سحرا
وخزة:
إنها نجد العذية يا سادة.. عروس المطر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي