Author

الطلب على الكهرباء .. ماذا لو انخفضت درجات الحرارة كثيرا؟

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

خيمت موجة من الصقيع القارس على مدن المملكة خلال الأيام الماضية وانخفضت درجات الحرارة في عدد منها مثل مدينة الرياض إلى درجات متدنية، وما زلنا نراقب انخفاض وتدني درجات الحرارة.

وعلى الرغم من أن فصل الشتاء لا يمثل تحديا حقيقيا لمقدم الخدمة الكهربائية، الشركة السعودية للكهرباء، فما الذي يطرأ على طلب الكهرباء خلال فصل الشتاء؟ وهل فعلا يقل الطلب على الكهرباء خلال هذا الفصل؟ أم أن الطلب يكون الأعلى في فصل الصيف فقط؟ دعونا نشرع في سرد القصة الكهربائية من البداية.
في فصل الصيف، يضع مقدم الخدمة الكهربائية في حسابه ارتفاع درجات الحرارة وتعاظم استهلاك الكهرباء وبلوغه ذروته.

ولقد أصبح ارتفاع درجات الحرارة ظاهرة سنوية يتم الاستعداد والإعداد لها، لأن من المعروف أننا نعيش في منطقة صحراوية وساخنة صيفا، لذا يقوم مقدم الخدمة في مواسم الربيع والشتاء بالتأكد من كفاية محطات التوليد وجاهزيتها لانخفاض الأحمال والطلب، والأمر كذلك إلى شبكات النقل والتوزيع.

وتتم الصيانة الدورية لمحطات التوليد في جدول زمني خلال تلك الفترات الموسمية، لكي تعمل كل المحطات عندئذ بكامل قدراتها وجاهزيتها المتاحة في موسم الصيف، إلا إذا حدث عطل أو انقطاع مفاجئ.

ويكون مشغل النقل على أهبة الاستعداد لتغطية الأحمال الذروية اليومية وأحيانا تشغيل وحدات التوليد الاحتياطية ذات الكفاءة المنخفضة، وللمعلومية فإن وحدات التوليد ذات الوقود والطاقة الشمسية الكهروضوئية، تتأثر درجات كفاءتها سلبا بارتفاع درجات الحرارة.

أما عند المستهلكين فتزداد درجات الحرارة ارتفاعا لتصل إلى مستويات قياسية في فصل الصيف، وتعمل المكيفات بصورة دائمة عند بعض المستهلكين خصوصا السكني والتجاري، ولذلك نرى ارتفاع الفاتورة في فصل الصيف مقارنة بفصل الشتاء، لأن التكييف يشكل معظم استهلاك الطاقة لدى المستهلك السكني بما يقارب 70 في المائة تقريبا من مجمل الاستهلاك السكني، إضافة إلى الأجهزة التي تعمل بنظام الضاغط "الكمبريسور" مثل الثلاجات والمبردات والمجمدات، وتقل قيمة فاتورة الصيف عن الشتاء كثيرا لدى أغلب المستهلكين بحكم عامل التكييف.

ونستخلص من هذا أنه لا يوجد تحد حقيقي أمام مقدم الخدمة الكهربائي في المملكة في فصل الشتاء، لأن الطلب منخفض مدفوعا بأن نسبة الطلب على الكهرباء من القطاع السكاني أعلى من غيره.

بل إن مجموع الطلب الكهربائي في فصل الشتاء يعادل نصف الطلب في فصل الصيف في المملكة عموما، ولذلك يعيش مشغل النقل حالة من الراحة في موسم الشتاء، لأنه ليس مطالب بملاحقة وتغطية الأحمال الذروية، كما أن فاتورة الكهرباء الشتوية لا تمثل مصدر قلق للمستهلك.
ولكن ماذا لو انخفضت درجات الحرارة كثيرا؟ وماذا لو بقيت درجات الحرارة منخفضة لفترات طويلة؟ في حقيقة الأمر، إن درجات حرارة موسم الصيف تبقى مرتفعة لفترات طويلة خلال اليوم وتبلغ مستويات قياسية أعلى من 45، وأحيانا 50 درجة مئوية.

وعليه نرى ما ذكر آنفا من ازدياد الأحمال وارتفاع أحمالها الذروية في فصل الصيف.
وعلى عكس درجات الحرارة في موسم الشتاء، لم تلامس درجات حرارة منخفضة جدا أو أقل من الصفر خصوصا المدن المكتظة بالسكان مثل مدينة الرياض، ولم تبق درجات الحرارة منخفضة لمدة طويلة مثلا أكثر من سبع ساعات في اليوم كما هو الحال في موسم الصيف.

وإذا انخفضت درجات الحرارة كثيرا واستمرت لفترة طويلة في اليوم، فمن غير المستبعد أن نرى ارتفاعا على الطلب في الكهرباء وأحمالا ذروية في موسم الشتاء، لأن الكهرباء هي المصدر الوحيد للتدفئة في بيوت المملكة ولا يوجد غاز موصل لكي تتم الاستعانة به.

ويستعين المستهلكون حاليا بالدفايات الكهربائية وأحيانا بالمكيفات في التدفئة، على الرغم من أن بعض الدفايات المنزلية تعمل بالوقود السائل، لكنها قليلة جدا مقارنة بمثيلاتها التي تعمل بالكهرباء التي لقيت إقبالا واسعا في المملكة.

ومن الملاحظ أن الحمل الذروي الكهربائي في فصل الصيف يبدأ من الساعة العاشرة صباحا حتى الرابعة مساء، والسبب يعزى إلى درجات الحرارة العالية، أما الحمل الذروي الكهربائي في فصل الشتاء، فمن المعتقد أن يكون ما بين الساعة العاشرة ليلا والرابعة أو الخامسة فجرا، حيث تصل درجات الحرارة إلى مستويات منخفضة جدا.

ولحسن الحظ أن وحدات التوليد ذات الوقود والطاقة الشمسية الكهروضوئية تتحسن درجة كفاءتها مع انخفاض درجات الحرارة نسبيا.
وعلى الرغم أن سلوك المستهلك وتعامله مع الكهرباء معروف في موسم الصيف من خلال الاستخدام المكثف للمكيفات، بيد أن سلوكه في موسم الشتاء يظل محل دراسة خلال درجات الحرارة المنخفضة جدا، وتظل الدفايات الملاذ الوحيد للمستهلك، والبعض يستخدم التكييف في التدفئة، لكن يجب التنويه إلى اتخاذ تدابير الصحة والسلامة.

ونود أن نذكر هنا بالمناسبة أنه في 1392هـ/ 1973 تساقطت الثلوج على مدينة الرياض في حالة جوية سيبيرية عاتية غطت وسط وشرق وشمال المملكة، وكان عدد السكان آنذاك أقل من "6.7 مليون نسمة" مقارنة باليوم "35.5 مليون نسمة" وكذلك حجم الصناعة ومجموع القدرات الكهربائية.

ولو تكررت مثل هذه الحالة الجوية السيبيرية وطالت مدتها، فسيكون الأثر كبيرا والطلب على الكهرباء شديدا ولا نستبعد استخدام التكييف للتدفئة بصورة أوسع، وستهتز جداول الصيانة الدورية لمقدم الخدمة ويبدأ مشغل النقل بمتابعة الأحمال الذروية مرة أخرى.
ختاما، تشهد المملكة نموا اقتصاديا وصناعيا وتجاريا وسكانيا كبيرا، ويؤدي هذا النمو بدوره إلى تعاظم حجم الطلب على الكهرباء، ومن المتوقع أن تستمر معدلات النمو خلال الأعوام المقبلة. وتتحكم درجات الحرارة في الطلب على الكهرباء في المملكة سواء درجات الحرارة المرتفعة جدا أو المنخفضة جدا.

ولا تزال درجات حرارة فصل الشتاء غير مقلقة الآن، لكن سيناريو درجات الحرارة المنخفضة جدا ومدى تأثر الطلب على الكهرباء وسلوك المستهلكين في فصل الشتاء، يجب أن يحظى بالاستقصاء والدراسة والتحليل.

إنشرها