راحت عليك
رسالة وصلتني من رجل في الـ62 من عمره، شعرت من كلماتها أن مشاعره قد جرحت بشكل مؤلم.
يقول صاحب الرسالة، "لم أدخر وسعا في سبيل إسعاد أسرتي حتى إنني تحملت منذ شبابي وظيفة شعرت دوما أنها لا تلائمني، كنت كل صباح أذهب إليها وكأنما أجر قدمي جرا، لكن مميزاتها وراتبها المرتفع و(البونص) الذي أحصل عليه، كان دافعا لي للاستمرار، خصوصا بعد أن بدأت أسرتي تكبر ويزداد عدد أفرادها، فكنت أحرص على العمل خارج الدوام وأحيانا أعمل في أوقات الإجازات، لأحصل على مزيد من المال من أجل ملاحقة الطلبات التي لا تنتهي لأسرتي، وحين كان يرادوني حلمي القديم في افتتاح مطعم للأكلات الشعبية القديمة التي أبرع في صنعها وأتلذذ بخلط مكوناتها وإعدادها بشكل جميل، كنت أطبطب عليه حتى يغفو بين جنبات صدري ثم أعود إلى واقع الوظيفة التي لم أجد نفسي فيها يوما.
بعد تقاعدي وانطلاق أبنائي وبناتي في دروب الحياة وتلاشي مسؤولياتي المادية تقريبا نحوهم، فكرت في استثمار أموال التقاعد في العمل على تحقيق حلمي القديم بافتتاح مطعم شعبي برؤية حديثة للأكلات القديمة، وبدأت فعلا في عمل دراسة جدوى واختيار المكان وإسناد الأمر إلى مصمم ديكور، ولم يتبق لي سوى إخبار زوجتي وأبنائي، حين أخبرتهم ظننت أنني سأجد منهم المساندة والدعم في تحقيق حلمي القديم، إلا أن ظني خاب مع الأسف فلم أجد منهم إلا كل سخرية واستهزاء، وكانت كلمتهم الجارحة، (والله راحت عليك يا أبوي)، فهل فعلا راحت علي، وهل الواجب أن أجلس على أريكتي وأنتظر قدوم الموت وحسب".
لصاحب الرسالة وغيره أقول، لو قيلت مثل هذه الكلمات قبل 30 عاما لربما تقبلناها، ففي تلك الفترة كان عمر الـ40 يعني الشيخوخة، أما في عصرنا هذا فهي عز الشباب، التغييرات البيئية وجودة الحياة والتوعية الاجتماعية والطبية والغذائية والرياضة وتوافر وسائل إبطاء الشيخوخة، جعلت من الإنسان في عمر الـ50 والـ60 لا يزال شبابا بإمكانه تحقيق أحلامه التي لم يفت الأوان عليها، العرف الاجتماعي الذي ينص على أن المتقاعد عليه أن يلزم الهدوء ويكتفي بالتمدد على أريكته ومقابلة التلفزيون، هو عرف عفا عليه الزمن ويجب أن يتغير، شخصيات عامة ومشهورة ما زالت تعطي وقد تجاوزت الـ60 والـ70 بقوة الأربعينيات، لذلك نصيحتي لهذا الرجل ألا يتراجع عن تحقيق حلمه فهذا هو وقته الذهبي.
وخزة:
لا تصدق أي شخص يقول لك فات الأوان على تحقيق حلمك، فالأحلام لا تموت والأرواح لا تشيخ أبدا!