Author

زعيم ماليزيا الجديد .. هل سينجح في قيادة بلاده؟

|

قلنا في مقال سابق إن السياسي الماليزي المخضرم أنور إبراهيم (75 عاما) تمكن أخيرا من تحقيق حلم حياته في قيادة ماليزيا من بعد 30 عاما كان فيها على لائحة الانتظار، وعشرة أعوام تعرض خلالها إلى الاعتقال والحبس والاتهامات الكيدية بالخيانة على يد أقرب أصدقائه ورفاقه الحزبيين، رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد.
لكن الرجل يجد نفسه اليوم في مأزق جديد. فالتحديات التي تواجهه لقيادة بلاده إلى بر الأمان كبيرة وكثيرة، وقد تطيح به قبل أن يهنأ بالزعامة، خصوصا في ظل وجود ساسة كثر يطمحون إلى الحلول مكانه، بل يتنافسون بشراسة على كرسيه، فضلا عن أن ائتلافه يتحكم في الأغلبية البرلمانية البسيطة، بمعنى أنه في حاجة دائمة إلى دعم من أحزاب أخرى ممثلة في البرلمان، وهذه الأحزاب قد تتخلى عنه في أي لحظة إذا لم تلب مطالبها أو لم تحصل على حقائب مهمة في الحكومة.
نقول هذا رغم أن بعض المراقبين يرى العكس بقوله، إن الاتفاق الذي أبرمه إبراهيم بين تحالفه "باكاتان هارابان PH"، وتكتل باريسان ناسيول BN، وحزب جابونجان السرواكي GPS، يمنحه قوة الاستمرارية والاستقرار.
يمثل صعود إبراهيم ثاني انتقالا سلميا للسلطة في هذه البلاد، من خلال صناديق الاقتراع منذ 2018، إلا أن صعوده جاء في زمن ماليزي عصيب يسوده الانقسام السياسي معطوفا على انقسامات عرقية وجهوية، ونموا اقتصاديا متباطئا، وتذمرا شعبيا من الفساد والتضخم وسوء الخدمات. وربما كانت هذه العوامل مجتمعة هي التي دفعت الناخب الماليزي، في الانتخابات النيابية الأخيرة، إلى تفويزه بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية "83 مقعدا"، عله يحقق ما عجز أسلافه عن تحقيقه.
صحيح أن أداء البورصة الماليزية تحسن قليلا بمجرد إعلان تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، وصحيح أن حلفاء ماليزيا في الغرب رحبوا بتسلمه السلطة في كوالالمبور، وعدوه انتقالا من هيمنة الحزب الواحد منذ الاستقلال إلى شكل من أشكال التنافسية المطلوبة، لكن كل هذا لن يفيد الرجل ما لم يثبت سريعا للداخل أن بوسعه وضع حد لمشكلات البلاد المتفاقمة.
مطلوب بإلحاح من إبراهيم أن يعمل أولا على معالجة الانقسام المسيطر على المجتمع الماليزي بصفة عامة عبر تأكيد هوية البلاد الإسلامية ووسطيتها ونظامها الدستوري في مواجهة حملات التشكيك في توجهات ائتلافه PH متعدد الأعراق، الذي يضم حزبا ممثلا للعرق الصيني، وهو حزب كثيرا ما اتهم من قبل الماليزيين من عرق الملايو بميوله الشيوعية. هذا فضلا عن أن الماليزيين الملايويين "يشكلون 70 في المائة من أصل عدد السكان البالغ 33 مليون نسمة"، متخوفون من تصريحات سابقة لإبراهيم دعا فيها إلى نبذ السياسات التي تحابي الأغلبية الملايوية على حسابات الأقليات الصينية والهندية.
ومطلوب منه أيضا أن يضع حدا للفساد السياسي المستشري الذي لا يزال موضوعا متداولا منذ فضيحة رئيس الحكومة الأسبق نجيب رزاق الذي حوكم بتهمتي السرقة واستغلال النفوذ والتزوير، في وقت يتهمه بعض الماليزيين ـ دون دليل ـ بعقده صفقة سرية مع أحمد زاهد حميدي الرئيس الحالي للجبهة الوطنية المتحدة للملايو UMNO، فحواها أن يلعب الأخير دور الوسيط لمصلحة توليه قيادة البلاد مقابل أن يحميه من قضايا فساد متورط فيها.
وبالتزامن، على إبراهيم أن يجد حلا سحريا لإخراج البلاد من كبوتها الاقتصادية عبر اتخاذ خطوات سريعة لاحتواء التضخم وإيجاد فرص عمل جديدة وضمان الأمن الغذائي مع تعافي البلاد من جائحة كورونا، ومعالجة ارتفاع تكاليف المعيشة.
لكن قبل كل هذا مطلوب منه أن يشكل حكومة قوية متماسكة ومتناغمة ومقبولة من رموز ائتلافه العريض المتباينين في طموحاتهم وتوجهاتهم، وهذه عقدة العقد، ولا سيما أن هناك شخصيات عديدة تحلم بأن تتولى مناصب متقدمة مثل منصب نائب رئيس الوزراء أو حقيبة المال، فضلا عن حقيقة أن إبراهيم سيجد نفسه قريبا "في 19 من كانون الأول (ديسمبر) الجاري" أمام مساءلات برلمانية حول ما إذا كانت حكومته ستعتمد الميزانية الحالية أم تقدم بديلا عنها. والمعروف أن تنكو ظفر الله عبدالعزيز وزير المالية المنتهية ولايته كان قد قدم ميزانية البلاد لـ 2023 بقيمة 80 مليار دولار في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الفائت أي قبل حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة.
ويعتقد كثيرون أن جلسة المساءلة البرلمانية الأولى ستشهد أيضا نقاشا حول مدى شرعية تكليفه بتشكيل الحكومة. حيث إن محيي الدين ياسين رئيس الوزراء الأسبق يعتقد أنه هو الأولى بقيادة البلاد من إبراهيم كونه يتزعم ائتلافه اليميني المعروف باسم "بريكاتان ناسيونال PN" "72 مقعدا"، ويحظى بدعم نواب آخرين كثر، ولا سيما نواب UMNO التي حكمت البلاد منذ استقلالها 1957 إلى 2018 دون انقطاع.
نخالة القول، إن استطاع إبراهيم أن يترجم أقواله وتصريحاته المعلنة إلى أفعال، فإنه سيبقى في السلطة. والعكس صحيح إن خالف ما قاله أخيرا من أنه سيسعى إلى الإصلاح والحوكمة ومكافحة الفساد والمحسوبية وتخليص البلاد من العنصرية والتعصب الديني والعرقي والجهوي.

إنشرها