Author

رحلة التحول .. زادها النفط «3»

|
مختص في شؤون الطاقة
عودا على بدء، ذكرت في المقالين السابقين أن رحلة تحول الطاقة طويلة وشاقة، ولا تحفها الورود لكون إمكانات الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة متباينة، فلكل دولة من هذه الدول ظروفها الخاصة الاقتصادية والتقنية والبيئية والسياسية. ذكرت أيضا أنه من الضروري أن يعي العالم وصناع القرار والجهات ذات العلاقة، أن تحول الطاقة القابل للتطبيق لا يعني أبدا تقويض صناعة النفط والاستثمار فيها من تنقيب واستكشاف وتطوير، بل يجب أن يحقق التكامل الفاعل بين جميع مصادر الطاقة المختلفة دون استثناء، برفع كفاءة إنتاجها واستهلاكها ما سينعكس إيجابا على الإنسان والبيئة بتوازن وبلا تطرف، فالعلاقة ليست تفاضلية من منظور شامل، بل تكاملية تصب في صميم أمن الطاقة العالمي. سلطت الضوء في المقال السابق على الدور السعودي المحوري والقيادي في التعاطي مع ملف الطاقة وأمنها، وتناولت جانب استدامة الطاقة وأهم الإجراءات والخطط والبرامج النوعية التي تقودها السعودية التي تصب في مصلحة أمن الطاقة العالمي عموما، واستقرار أسواق النفط خصوصا. النموذج السعودي وضع المعادلة المثلى للتعامل مع استدامة الطاقة والبيئة وقضايا المناخ على حد سواء، فهي تعي يقينا - في رأيي - أن العلاقة بين الطاقة والبيئة ليست علاقة صفرية بالضرورة، ما يعني التضحية باستدامة الطاقة واستقرار أسواقها من أجل البيئة المثالية، أو تجاهل البيئة وقضايا المناخ من أجل الطاقة. ذلك ينسحب أيضا على مصادر الطاقة المختلفة، فالسعودية أيضا تقود نهجا حكيما لرفع كفاءة استخراج واستهلاك جميع مصادر الطاقة، وعلى رأسها النفط، وأن تحول الطاقة لا يعني تهميش النفط وتقويض صناعته، بل إنني أعتقد أن النفط هو زاد رحلة تحول الطاقة وحجرها الأساس، فوفرة النفط تعني بالضرورة وفرة منتجاته التي تعد منتجات أساسية في جميع مصادر الطاقة التي يسمونها "البديلة" التي أعتقد أنها ليست إلا طاقة "مكملة" في المدى المنظور على أقل تقدير! شاء العالم أم أبى، فالحقائق كعين الشمس لا تحجب بغربال، وأن الوقود الأحفوري سيبقى إلى أمد طويل على رأس هرم مصادر الطاقة العالمية، إضافة إلى منتجاته وتطبيقاته التي لا تعد ولا تحصى، وتعد عصب التطور الصناعي والتقني. أما فيما يخص الجانب البيئي، فقد سخرت السعودية مواردها البشرية وخبراتها المتراكمة لعمل كل ما يمكن عمله من تسخير للتقنيات وإطلاق عدد كبير من البرامج التي تعنى بحماية البيئة، وهي من صميم رؤية السعودية 2030، وما مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر التي تقود دفتيها السعودية إلا دليل لكل منصف أن السعودية جادة في تحقيق الأهداف المرجوة التي وضعتها كمساهم عالمي فاعل، بل قائد لهذا التوجه بحكمة وموضوعية. لا يمكن كذلك تجاهل المشاريع النوعية والعملاقة فيما يخص الطاقة المتجددة من طاقة شمسية وطاقة الرياح، وغيرها كثير من البرامج والخطط التي تصب في الهدف ذاته. مقارنة بين النموذج السعودي والنموذج الأوروبي الذي أصبح يعاني الأمرين بسبب شح الطاقة على أثر الحرب الروسية الأوكرانية، ويتبنى جل دوله محاربة الوقود الأحفوري وتقويض صناعته والاستثمار فيه. أعتقد أن أوروبا اعترفت ضمنا أن توجهها اصطدم بالواقع وتبخر، فأخرجت النفط من قفص الاتهام، وأصبح الفحم صديقا للبيئة!
إنشرها