Author

المراهنات على مباريات كأس العالم .. كيف؟

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
تزداد شعبية المراهنات في مباريات كرة القدم في البطولات الكبرى، مثل كأس العالم هذه الأيام، وهي مراهنات تدار من قبل تجار متخصصين في هذا النوع من القمار يقدمون خدماتهم من خلال منصات إلكترونية على الهواتف المحمولة أو عبر أجهزة الحاسب الآلي. ما طبيعة هذه الأسواق الغامضة؟ وكيف تعمل؟ ولماذا هناك جدل كبير حولها؟ ولماذا تحارب من قبل المنظمات الرياضية حول العالم؟
بداية تجب الإشارة إلى أن المراهنات الرياضية وغيرها من أنشطة القمار ممنوعة في كثير من دول العالم، فهي ممنوعة في دولنا العربية ومحرمة في ديننا الإسلامي الحنيف، وهي كذلك ممنوعة في دول كثيرة بما في ذلك الولايات المتحدة التي تسمح بها فقط في ولايات محددة وبشروط وضوابط عديدة. وعلاوة على ذلك فالمراهنات الرياضية عالية المخاطرة إن نظرنا إليها كوسائل مالية، لذا هنا نستعرضها من باب العلم بالشيء ولمعرفة نسب احتمالات الفوز والخسارة التي يمنحها هؤلاء المراهنون على مباريات كرة القدم.
المراهنات الرياضية لا تتم بين المشاركين أنفسهم، بل هي دائما تتم مباشرة مع تجار المراهنة، أو منصات المراهنة، وهذا يختلف عن تجارة الأسهم - على سبيل المثال - التي تتم بين البائعين والمشترين، ويكون دور الوسيط فيها فقط لتنظيم العملية والحصول على عمولة محددة مقابل ذلك. لذا فإن تاجر المراهنة ليس وسيطا بل هو مؤسسة مالية معرضة للمخاطرة، لكن لديه أساليب معينة يستخدمها للحد من المخاطرة التي يتعرض لها.
بعد فوز السعودية على الأرجنتين ترددت أنباء عن خسائر تلقاها بعض تجار المراهنات، والسبب أن حسابات المراهنة على هذه المباراة وصلت إلى 80 /1 ضد السعودية، ما يعني أن من يدفع 100 دولار يحصل على 80 ضعفا، ذلك كربح في حال فازت السعودية. وهناك مراهنات ليس فقط على النتيجة النهائية، بل يمكن المراهنة على من يسجل الهدف الأول، وكم تكون نتيجة الشوط الأول، وما إذا كان عدد البطاقات الصفراء يتجاوز عدد معين، بل حتى إن هناك مراهنات على كون النتيجة النهائية تختلف بمقدار الفوز، مثلا إذا الفوز بفارق هدفين أو ثلاثة، وهكذا. وكما أن هناك عقودا مستقبلية في الأوراق المالية هناك كذلك عقود مراهنات مستقبلية، إلى جانب وجود مراهنات حية، بمعنى أن حسابات المراهنة تتغير مع سير المباراة، فتزيد أو تنقص حسب مجريات اللعبة.
هناك الطريقة العشرية لعرض المراهنات وهي المتبعة في أمريكا، مثلا +150 تعني تحقيق ربح بمقدار 150 دولارا من مراهنة بـ100 دولار، فمثلا المراهنة على فوز السعودية أمام بولندا اليوم قيمتها حاليا +410، أي الحصول على 410 دولارات من مراهنة بـ100 دولار. وفي الوقت نفسه المراهنة على فوز بولندا تظهر 125 بالسالب، وتعني أن على المراهن دفع 125 دولارا للحصول على 100 دولار كربح، وكونها بالسالب فهذا يعني أن منصة المراهنة تمنح بولندا احتمال الفوز 44 في المائة.
هناك سؤال مهم عن كيفية ضمان منصة المراهنة الحصول على أرباح من هذه العمليات إذا كانت هي لا تستقطع عمولة من المشاركين؟ مثلا تجد أن حسابات المراهنة تعني أن المنصة ستدفع للمراهنين في جميع الحالات، سواء الفوز أو الخسارة أو التعادل! فكيف يمكنها أن تربح من ذلك؟ الطريقة المتبعة هي أن هذه المنصات أولا لديها تقديرات عالية الدقة وحسابات تعتمد على معالجة بيانات كثيرة وآراء خبراء وما إلى ذلك، وهناك مقارنات تتم مع حسابات منصات أخرى، ومن ثم هناك تعديل رياضي معين يجعل أرقام المراهنة تأتي في نهاية الأمر لمصلحة منصة المراهنة. وبالطبع فالمنصة تتحصل على أموال جميع المراهنات الخاسرة، لأنه في نهاية الأمر هناك نتيجة واحدة فقط. والأهم من ذلك أن لدى المنصة القدرة على تعديل الحسابات مع اقتراب المباراة وكذلك أثنائها بحيث يمكنها إغراء المشاركين من خلال رفع مبلغ الربح غير المحتمل، أي أن تجعل الربح مثلا 100 ضعف في حال فاز فريق غير محتمل فوزه، فيتقدم عدد كبير من المشاركين بسبب الربح العالي المتوقع، أي أن العملية تصبح كاليانصيب!
لماذا تقوم المنظمات الرياضية بمحاربة المراهنات الرياضية؟
مشكلة هذه المراهنات أنه بسبب ضخامة المبالغ المرتبطة بها فإنها أحيانا تؤدي إلى الوقوع في شتى أنواع الفساد بين اللاعبين والإداريين وغيرهم من الجهات ذات العلاقة. هناك حالات تاريخية معروفة تم فيها التلاعب بنتائج مباريات سواء من قبل حكام أو لاعبين، منها قيام لاعبين بتثبيت النتيجة دون حد معين، بحيث يفوز فريقهم كما هو متوقع لكن بعدد أقل من الأهداف، وهذا أكثر شيوعا من إيقاع الفريق بهزيمة صريحة. في 2006 تم طرد نادي يوفنتوس الإيطالي من الدوري الممتاز وسجن مدير النادي خمسة أعوام بسبب فضيحة تلاعبات قام بها النادي. أما اللاعب الكوري تشوي سونغ فقد تلقى عقوبة سجن لمدة عشرة أشهر ومنع من اللعب لمدة عامين، وهناك حارس ليفربول الذي تلقى 50 ألف دولار لإيقاع فريقه في هزيمة أمام نيوكاسل في 1994.
لا توجد شعبية تذكر للمراهنات الرياضية في الدول العربية والحمد لله، والسبب يعود إلى طبيعة الثقافة المحلية والتعاليم الدينية، وذلك بخلاف بعض الدول التي توارثت شعوبها مثل هذه الممارسات، وكما ذكرنا فالمشكلة الحقيقية في ازدهار هذه الممارسة أنها تعرض الألعاب الرياضية للفساد وتؤثر في عدالة اللعب ومصداقية المشاركات الرياضية.
إنشرها