Author

الفائدة والنمو .. إلى أين؟

|

ليس واضحا ما إذا كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي"، يستطيع الالتزام بمخططات تخفيف رفع سعر الفائدة لمدة طويلة. هناك حتى الآن من يتحدث عن ضرورة أن تصل الفائدة إلى 7 في المائة، وبعضهم أشار إلى إمكانية أن تصل إلى 9 في المائة، إذا ما استمرت الأوضاع الاقتصادية على وتيرتها الراهنة. لكن لا شك في أن الخلافات ضمن نطاق مجموعة المشرعين الماليين في الولايات المتحدة، حول وتيرة رفع الفائدة، قد تدفع "الفيدرالي" على الأرجح إلى الاتفاق على إبطاء وتيرة الرفع هذه، خصوصا أن الفائدة مستقرة حاليا عند حدود 3.75 في المائة، بعد أن كانت حتى وقت قريب عند الصفر. ومن الواضح أن الضغوط الحالية على المشرعين، ترتفع بشدة، خصوصا في ظل المخاوف من الآثار السلبية المترتبة على سياسة التشديد النقدي على المدى المتوسط.
إلا أن النقطة الأهم هنا تبقى دائما ثابتة، وهي مرتبطة بمدى القدرة على الصمود في وجه ارتفاع أسعار المستهلكين الأمريكيين. فالتضخم في الولايات المتحدة على أساس سنوي وصل الشهر الماضي إلى 7.7 في المائة. وهذه نسبة مرتفعة بالطبع إذا ما أخذنا في الحسبان، أن الحد الأقصى الرسمي المسموح لتكاليف العيش بالارتفاع يبقى في حدود 2 في المائة فقط. والواضح أيضا، أن الأدوات الأخرى لكبح جماح التضخم لم تعد مطروحة، بما في ذلك الاتفاقات مع الشركات الكبرى المنتجة على تجميد أسعارها لفترة محددة، مقابل تسهيلات حكومية وخفض ضرائب وغير ذلك من مغريات، إضافة طبعا إلى تشجيعها على توقيع اتفاقات تجارية طويلة الأمد. كل هذا لن يحدث، والحق أن المشرعين الأمريكيين لم يهتموا كثيرا بهذه النقطة من الأساس.
بالطبع يخشى أولئك الرافضون لمواصلة رفع الفائدة الأمريكية، على مصير النمو الذي لم يعد هو أيضا مثار حديث الاقتصاديين على الساحة الأمريكية. فالتباطؤ الاقتصادي يتواصل، وهناك من يعتقد ضمن نطاق "الفيدرالي الأمريكي" أن اقتصاد البلاد سيدخل الركود العام المقبل. فالزيادات الكبيرة في تكاليف الاقتراض تنعكس مباشرة على وتيرة النمو المأمول، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان أن الساحة المالية الأمريكية شهدت لأعوام طويلة فائدة أقرب للصفر، أو ما يسمى "المال الرخيص". والحق أن هذه السياسة كانت حاضرة في كل الاقتصادات الغربية دون استثناء، ما اضطر البنوك المركزية فيها إلى تغييرها في أعقاب الارتفاع المتواصل لمعدلات التضخم. ومن هنا، يمكن فهم تحفظات الذين يسعون إلى أن تكون وتيرة رفع الفائدة الأمريكية أكثر بطئا، على الأقل في المدى القصير.
لا شك في أن رفع الفائدة الأمريكية إلى مستويات عالية يضيف أعباء في ساحة النمو محليا، إلى جانب الأعباء المتراكمة على البلدان، التي تعاني ديونا خارجية مرتفعة. حتى عندما تمت الإشارة إلى إمكانية إبطاء رفع الفائدة من قبل "الاحتياطي الفيدرالي"، تعرض الدولار إلى تراجعات لافتة في الأسواق العالمية. وهذا أمر طبيعي. لكن السؤال الأهم يبقى حول ما إذا كان الأمريكيون قادرين على المدى المتوسط من السيطرة على الفائدة عند حدودها الحالية. فطلبات الإعانة الاجتماعية ارتفعت بصورة كبيرة في الشهر الماضي، ما يعزز الاعتقاد على أن التضخم لن يتوقف عند حدود معينة هذا العام والعام المقبل. فارتفاع تكاليف المعيشة يشكل ضغوطا كبيرة على الإدارة الأمريكية التي تلقت ضربة موجعة في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، وإن تمكنت من تحقيق انتصار متواضع في مجلس الشيوخ الأمريكي.

إنشرها