default Author

تنظيم العملات المشفرة «3 من 3»

|

نلاحظ أن بعض السلطات حظرت على المقيمين إصدار أصول مشفرة أو الاحتفاظ بها، أو إمكانية التعامل فيها أو استخدامها لأغراض معينة، مثل المدفوعات. وعلى طرف النقيض، تبنت عدة دول موقفا أكثر ترحيبا، بل سعت إلى تشجيع الشركات على إنشاء أسواق لهذه الأصول. وهكذا فإن الاستجابة العالمية المتفاوتة لا تكفل تكافؤ الفرص ولا تقي من السباق نحو القاع في ظل هجرة المشاركين في منظومة العملات المشفرة إلى الدول الأكثر قبولا للعملات المشفرة والأقل تشددا في الإجراءات التنظيمية ـ مع استمرار قدرتهم على التواصل مع أي شخص يستطيع الاتصال بالإنترنت.
ولم تقف الأوساط التنظيمية الدولية مكتوفة الأيدي بدورها. ففي الأعوام الأولى، كان الشاغل الرئيس هو الحفاظ على النزاهة المالية من خلال الحد من استخدام الأصول المشفرة قدر الإمكان في تسهيل عمليات غسل الأموال وغيرها من المعاملات غير المشروعة. وسرعان ما تحركت فرقة العمل للإجراءات المالية لإرساء إطار عالمي يضم جميع مقدمي خدمات الأصول الافتراضية. وأصدرت المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية إرشادات تنظيمية بشأن بورصات العملات المشفرة. غير أن إعلان عملة "ليبرا"، التي تم الترويج لها بوصفها "عملة مستقرة عالمية"، هو ما أثار اهتمام العالم وأعطى دفعة أكبر لهذه الجهود.
وقد بدأ مجلس الاستقرار المالي في مراقبة أسواق الأصول المشفرة، وأصدر مجموعة من المبادئ للاسترشاد بها في المعالجة التنظيمية للعملات المستقرة العالمية، كما يعكف حاليا على وضع إرشادات حول مجموعة أكبر من الأصول المشفرة، بما في ذلك الأصول المشفرة غير المدعومة. وتحذو الهيئات الأخرى المختصة بوضع المعايير الحذو ذاته من خلال العمل على تطبيق مبادئ البنية التحتية للأسواق المالية على ترتيبات العملات المستقرة المؤثرة في النظام "لجنة المدفوعات والبنى التحتية للأسواق المالية والمنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية"، والمعالجة الاحترازية لاستثمارات البنوك في الأصول المشفرة "لجنة بازل للرقابة المصرفية".
ويجري العمل حاليا على بناء النسيج التنظيمي، ويتوقع أن تتمخض هذه الجهود عن معايير نموذجية واضحة. لكن الشاغل أن السلطات الوطنية قد تجد نفسها حبيسة أطر تنظيمية متباينة إذا ما طال انتظار هذه المعايير. ومن هذا المنطلق، يدعو صندوق النقد الدولي إلى استجابة عالمية "أولا" منسقة، بما يمكن معه سد الفجوات التنظيمية التي تنشأ عن عمليات الإصدار ذات الطابع متعدد القطاعات والعابر للحدود، وضمان تكافؤ الفرص، و"ثانيا" متسقة، بحيث تتماشى مع المناهج الرئيسة المنظمة لمختلف الأنشطة والمخاطر، و"ثالثا" شاملة، بحيث تغطي جميع جوانب منظومة العملات المشفرة والأطراف الفاعلة فيها. وسيكفل وجود إطار تنظيمي عالمي حفظ النظام في الأسواق، كما سيساعد على كسب ثقة المستهلك، وتعيين حدود ما هو مسموح به، وتوفير مساحة آمنة لاستمرار الابتكار النافع.

إنشرها