الطاقة .. بدائل أكثر ثراء
يلعب النفط الخام اليوم دورا مهما كمصدر رئيس للطاقة، وفي هذا تعد مصانع تكرير النفط الركن الأساس في مدى توافر الطاقة حول العالم، فوقود النقل بأنواعه المختلفة مثل البنزين والديزل وغيرها يشكل نحو 50 في المائة من منتجات تكرير النفط، وتستفيد المصافي من فرق السعر بين النفط الخام وأسعار وقود النقل. وقد سعت دول العالم في سباق محموم إلى اكتشاف بدائل للطاقة النظيفة خارج إطار منتجات النفط، ومع ذلك فإن نجاح هذه المساعي عموما يعتمد على تسريع البحث والابتكار في مجالات الطاقة الشمسية وتطوير بطاريات تشحن كهربائيا للسيارات بمختلف أنواعها.
فإذا استمرت الجهود كما هي اليوم، فإن الطلب العالمي على النفط سيبلغ ذروته عند 104 ملايين برميل يوميا في 2030، على أن ينخفض الطلب تدريجيا بحلول 2050، أما إذا حدث التزام واسع النطاق بجميع الالتزامات في الوقت المحدد، فسيبدأ الطلب في الانخفاض في 2025، ورغم أنه لا توجد مؤشرات قوية على تحقيق هذه السيناريوهات، إلا أنه يجب الأخذ في الحسبان أن للنفط منتجات أخرى بخلاف الوقود وسيعتمد هذا الوضع على مدى توافر البنى التحتية اللازمة لاستغلال هذا الوضع.
وفي هذا الإطار والتوجه سعت السعودية وفقا لرؤية المملكة 2030 في خطا واسعة وواضحة بشأن تنويع مصادر الدخل، ومن ذلك تنويع استخدامات النفط الخام، حيث يتم إنتاج البتروكيماويات مباشرة من النفط، وهي الصناعة التي بدأت في النمو منذ منتصف العقد الماضي، عندما قامت شركة ExxonMobil باستخدام تقنيات خاصة تسمح بمعالجة النفط الخام الخفيف مباشرة في وحدة التكسير البخاري، ما ينتج عنها مادة بتروكيماوية عالية القيمة، تم إطلاقها رسميا كأول وحدة كيميائية في العالم تعالج النفط الخام في سنغافورة في 2014.
وتعتمد منتجات البتروكيماويات اليوم على الغاز والمواد المصاحبة لإنتاج النفط، وتسهم البتروكيماويات كمواد أساسية في مجموعة واسعة جدا من المنتجات التي تشمل الملابس وأدوات التغليف والمنظفات وعديدا من منتجات الإطارات والأجهزة الرقمية المصنوعة من البلاستيك، وهناك منتجات أخرى مثل الأسمدة، بل إن المواد الداخلة في إنتاج الطاقة النظيفة تعتمد على المنتجات البتروكيميائية بطريقة أو أخرى، وفي الوقت الذي يتم تحويل 12 في المائة فقط من برميل النفط إلى مواد كيميائية بينما يحتل الوقود الجزء الباقي من جهود المصافي، فإن تقنية تحويل النفط الخام إلى مواد كيميائية COTC تمكن من إنتاج مواد كيميائية تتجاوز 70 إلى 80 في المائة من البرميل.
وقد حققت شركة أرامكو السعودية عدة براءات اختراع في 2021 في هذا المجال مثل براءة اختراع نظام تحويل الزيت الخام إلى بتروكيماويات ومنتجات الوقود بدمج التكسير بالبخار والتكسير التحفيزي للسوائل، وبراءة نظام تحويل الزيت الخام إلى البتروكيماويات ومنتجات الوقود مع دمج التكسير بالبخار، والتكسير التحفيزي للسوائل وتحويل النفايات إلى إعادة تشكيل غنية بالمواد الكيميائية، وكذلك براءة الاختراع في طريقة إنتاج الأوليفينات الخفيفة من الزيت الخام، ما يشير إلى جهود ضخمة في مجال البحث والتطوير في هذه الصناعة الحديثة، ولأن صناعة COTC تتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة في المصانع التي تركز على بناء مصافي لإنتاج المواد الكيميائية كمنتج أساسي، فإن المملكة تجد نفسها شامخة ولديها ميزة تنافسية في هذا المجال، وهي وفرة المواد الأولية وهي النفط، وبأسعار تنافسية.
هنا تجدر الإشارة إلى قرار شركة أرامكو الاستراتيجي في 2019 بشراء حصة الأغلبية في سابك، التي تبلغ 70 في المائة، وقد أعلن في ذلك الوقت أن الهدف من هذا الاستحواذ هو تحقيق التنمية طويلة الأمد في مجال الصناعات التحويلية، التي تسعى من خلالها إلى توسيع عملياتها التكريرية المتكاملة وطاقتها الإنتاجية للبتروكيماويات، وصنع القيمة عبر تحقيق التكامل في سلسلة المنتجات الهيدروكربونية، واستكمالا لهذه الجهود الكبيرة وأثناء حفل افتتاح مبنى سابك الجبيل، أعلن الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة البدء في أول مشروع في المملكة لتحويل البترول الخام إلى بتروكيماويات سيقام في مدينة رأس الخير الصناعية، وستبلغ طاقته 400 ألف برميل يوميا، مؤكدا أنه سيكون له شأن ضمن منظومة مشاريع الطاقة في المملكة التي تسعى إلى تحويل أربعة ملايين برميل يوميا من البترول الخام والسوائل إلى بتروكيماويات عبر مشاريع محلية وعالمية.
من خلال قراءة هذا التصريح وأحاديث أخرى بشأن الحياد الصفري الاقتصاد الدائري للكربون، مع الجهود المنسقة في إنتاج الطاقة النظيفة من الرياح والخلايا الشمسية، فإن المملكة ترسم طريقا ممهدا نحو التربع على عرش الطاقة في العالم خلال العقدين المقبلين بإذن الله. وفي حال تحققت السيناريوهات المطروحة سيكون إنتاج النفط السعودي في مستواه لكن نحو بدائل أكثر ثراء للطاقة.