FINANCIAL TIMES

فيليب لافونت .. من عالم حاسوب مكبوت إلى مستثمر تكنولوجي كبير

فيليب لافونت .. من عالم حاسوب مكبوت إلى مستثمر تكنولوجي كبير

عندما كان مراهقا، كان فيليب لافونت يحلم بالعمل لدى شركة أبل، لكن بعد تخرجه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، رفض خمس مرات من قبل الشركة التي أصبح فيما بعد مستثمرا بارزا فيها.
قال مدير صندوق التحوط البالغ من العمر 55 عاما الآن في مقابلة واسعة النطاق مع "فاينانشيال تايمز" من مقره في نيويورك المطل على سنترال بارك "كنت عالم حاسوب متواضعا مكبوتا". المكاتب مزينة بمختلف منتجات "أبل" التي يعود تاريخها إلى 1976 وأجهزة أخرى كانت رائدة في السابق لكنها أصبحت الآن قديمة.
أسس لافونت، الفرنسي الهادئ والخجول، أحد أشهر صناديق التحوط التي تركز على التكنولوجيا في العالم، ولديه شركة نامية تستثمر في الشركات الخاصة. حسب ملفات أيار (مايو)، نمت شركة لافونت "كواتو مانجمنت"، لتصل إلى أكثر من 70 مليار دولار من الأصول منذ إطلاقها بقيمة 50 مليون دولار في كانون الأول (ديسمبر) 1999. ربح صندوق التحوط الرائد التابع لها 11 في المائة في المتوسط سنويا منذ ذلك الحين، مقارنة بنسبة 6 في المائة لمؤشر ناسداك كومبوزيت.
لكن مستثمري النمو مثل لافونت، الذين يسعون لتحديد مجموعة الشركات التي يمكنها تحقيق أرباح هائلة عبر تشكيل المستقبل، يواجهون قرارات صعبة. انتهى عصر الأموال الرخيصة وهم يتأقلمون مع تغير النظام المتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم المرتفع.
انخفض مؤشر ناسداك كومبوزيت الذي يركز بشكل كبير على التكنولوجيا 30 في المائة هذا العام. الشركات المفضلة لدى صناديق التحوط مثل شركتي تسلا وميتا، وكلتاهما من أكبر عشر حيازات في شركة كواتو بدءا من منتصف العام، انخفضت قيمتهما بأكثر من النصف. لم تتم إعادة تسعير كثير من استثمارات صندوق كواتو الخاصة حتى الآن لتعكس الانخفاض الكبير في الأسواق العامة.
عاش لافونت خلال طفرة وانهيار شركات التكنولوجيا من قبل. بعد فترة قصيرة قضاها في شركة ماكنزي في مدريد، اكتسب خبرة أولية كمحلل أبحاث اتصالات في أواخر التسعينيات لدى المستثمر الشهير جوليان روبرتسون في شركة تايجر مانجمنت في نيويورك، قبل أن ينطلق بمفرده في فترة تلاشي طفرة الإنترنت.
بعد شهرين، وصل صندوق كواتو إلى مستويات أرباح من رقمين. "يا للروعة، سيكون هذا سهلا"، هذا ما فكر فيه لافونت، قبل أن يتراجع مؤشر ناسداك أربعة أخماس من الذروة إلى الحضيض بين آذار (مارس) 2000 وتشرين الأول (أكتوبر) 2002.
نجا لافونت بسمعته وسلامة شركته. لكن التجربة تركت لديه انطباعا دائما.
قال "الأعوام الثلاثة الأولى التي تدير فيها الأموال بنفسك، تصبح مثل الوشم، لا يمكنك التخلص منها. جعلتني هذه التجربة أتذكر دائما أن هناك حدودا طبيعية للنمو التصاعدي".
إن محاولة تخفيف تفاؤل وادي السيليكون بحذر من الاقتصاد الكلي أسهمت في توجيه نهج لافونت في إدارة الأموال.
يستيقظ في الساعة 3 صباحا كل ليلة ويتفقد محطة "بلومبيرج" قبل العودة إلى النوم، ويقول إنه في عقله الباطن يفكر دائما "فيما يمكن أن يسير على نحو خاطئ".
في 2020، حدث ما لم يكن متوقعا، اجتاحت جائحة فيروس كورونا جميع أنحاء العالم ما أجبر الحكومات على فرض تدابير عمليات الإغلاق.
قال لافونت "إنه استخف بالسرعة التي ستعود بها الحياة إلى طبيعتها، وفوت الصندوق الانتعاش الضخم في سوق الأسهم 2021".
"لم نكن نعتقد أنه عندما يفتح العالم من جديد فإنه لن يتغير، لكنه عاد تقريبا إلى ما كان عليه من قبل وكان ذلك درسا بالنسبة إلي".
تذبذبت العوائد في صندوق التحوط الرئيس التابع لشركة كواتو بشكل كبير في 2021، وكسب أرقاما مزدوجة ثم انخفض بالقرب من الصفر قبل أن ينتعش مجددا.
يتذكر لافونت "عشت ذكريات قوية" لتقلبات السوق الكبيرة المشابهة في 2000 قبل الانهيار التكنولوجي. "وراودني شعور "يا إلهي، هذا يحدث مرة أخرى".
في أعقاب عمليات البيع في السوق في وقت سابق من هذا العام، قام لافونت بتصفية مراكز في صندوق التحوط التابع لشركة كواتو لأنه كان قلقا بشأن بيئة الاقتصاد الكلي. نحو 70 - 80 في المائة من أصول صندوق التحوط لا يزال محتفظا بها نقدا، كما قال لافونت في مؤتمر روبن هود للمستثمرين الشهر الماضي، حيث يتوقع انخفاضا آخر في الأسهم.
قال "أشعر أن عدم وضع نفسك في موقف صعب هو أمر مهم حقا في إدارة الأموال".
قال ديكسون بوردمان، مؤسس شركة أوبتيما للاستثمار، التي كانت عميلا لدى صندوق كواتو منذ إطلاقه "يتمتع فيليب بفهم كبير للاقتصاد الكلي".
في حين كان أداء لافونت أفضل من أقرانه في قطاع التكنولوجيا - حيث فقد صندوق التحوط التابع لزميله تشيس كولمان "تايجر كب" أكثر من نصف قيمته حتى الآن هذا العام - لا يزال صندوق كواتو يعاني خسائر. انخفض صندوق كواتو التحوطي الرئيس 17 في المائة وصندوقها الوحيد ذو المركز الطويل الأمد انخفض 28 في المائة حتى 15 نوفمبر، وفقا لأحد المستثمرين. لم يتم اختبار شركته التي تعمل في الأسواق الخاصة، التي يقودها شقيق لافونت الأصغر توماس وتمثل ثلثي أصول الشركة، حتى الآن خلال فترة انكماش.
يعتقد لافونت الآن أن نهاية الأموال الرخيصة أوجدت فرصة جديدة، وهي توفير التمويل للشركات التي تعاني ضائقة مالية.
تقوم شركة كواتو بجمع ملياري دولار من أجل صندوق الأسهم المهيكلة، صندوق الحلول التكتيكية، الذي يمكنه إقراض الأموال للشركات الخاصة بدلا من جمع الأموال عبر الوسائل التقليدية لتمويل الأسهم. وهذا يسمح لها بتجنب جمع الأموال بتقييم مخفض من خلال ما يسمى "الجولة المتناقصة"، والاستمرار في الاستثمار في أعمالها والاستمرار في العمل بشكل قوي.
قال لافونت "بالنسبة إلى شركة خاصة فإن تقليص الأشياء فجأة بنسبة 75 أو 80 في المائة أو 60 في المائة، يمثل مخاطرة كبيرة لا أوصي الشركات بالقيام بها بالضرورة، وليس بالضرورة القيام بها على الفور".
تتسم الأسهم المهيكلة بخصائص الديون والأسهم، وتتضمن عموما الديون القابلة للتحويل، أو الأسهم الرئيسة أو الديون إضافة إلى الضمانات. وعادة ما تعطي عائدا أعلى وتعطي المقرض الوضع المفضل في الترتيب الانتقائي للمساهمين.
وأضاف لافونت أن "توفير هذا النوع من التمويل يضعنا في صلب الحديث عندما تتطلع شركة تكنولوجيا إلى القيام بشيء ما".
صرح بيتر سينجلهيرست، رئيس الشركات الخاصة في صندوق استثمار النمو "بيلي جيفورد" الذي تبلغ قيمته 228 مليار جنيه استرليني، في حدث أقامته "فاينانشيال تايمز" الأسبوع الماضي بأن شركته توجه شركات المحافظ التجارية بعيدا عن جولات التمويل المهيكل لأنها توجد "اختلالا في الحوافز".
يأتي المستثمرون الجدد بشروط "مختلفة اختلافا جذريا" عن تلك الموجودة، قال "كيف ينكشف كل ذلك عندما تأتي الشركات إلى الأسواق العامة أو إذا كانت تلك الشركات بحاجة في النهاية إلى القيام بجولة متناقصة (...) أمر غير مفهوم جيدا".
يعتقد لافونت أن لحظة الحساب في الأسواق الخاصة ستأتي "في وقت ما في النصف الأول من العام المقبل" عندما تنفد السيولة النقدية من الشركات. ستكون هناك إعادة تنظيم جذري في السوق لأنها تقيم الجولات المتناقصة، أو خيارات التمويل الأخرى، أو المبيعات أو عمليات الدمج. "سيكون هناك بعض الشركات التي لن تنجو، وهذه العملية صحية" حسب قوله.
تاريخيا، جاء جزء من نجاح صندوق كواتو من الاستثمار في الصين. لقد كان داعما مبكرا لمالك تطبيق تيك توك، بايت دانس، وتطبيق توصيل الطعام ميتوان وشركة تنسنت. الآن فإن بعض المستثمرين الأجانب المتفائلين، إضافة إلى صندوق بيلي جيفورد، يقللون من التعرض للصين وسط بيئة تشريعية صعبة.
في مؤتمر روبن هود، قال لافونت "إن هناك بعض الانتعاش للفرص في الصين". إنه يراقب الوضع الجيوسياسي من كثب ولم يقلل كثيرا من انكشافه هناك.
يعتقد صندوق كواتو أن أفضل دفاع ضد بيئة الاقتصاد الكلي القاسية هو تحديد التحولات التكتونية التي تأتي كل عقد. قال لافونت "لست بحاجة إلى ألف فكرة كبيرة لتقوم بعمل جيد في مجالنا، أنت بحاجة فقط إلى فكرة واحدة أو فكرتين رئيستين وبعد ذلك تبدأ جميع قطع الدومينو في السقوط". في 2007، شركة أبل فتحت عقول المستثمرين على عالم الإنترنت عبر الهاتف المحمول، في حين بشر إطلاق خدمة أمازون ويب 2006 ببروز الحوسبة السحابية.
يعتقد لافونت أنه من السذاجة القول إن أسواق الأسهم وصلت إلى القاع، لكنها بدأت في التحول إلى اتجاه أقل هبوطا. في مايو شعر أن "الكأس نصف فارغة" الآن ينصب التركيز على محاولة بناء محفظة للعقد المقبل "يمكن أن تؤدي بشكل جيد رغم هذه الرياح المعاكسة" - الحرب في أوكرانيا، والتوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وانحسار العولمة وسيادة سلسلة التوريد، وفترة طويلة من أسعار الفائدة العالية.
وأضاف "هناك كثير من الأفكار العظيمة، لكن الفائزين في الأعوام العشرة المقبلة لن يكونوا أسهم شركات فيسبوك، وأمازون، وأبل، ونتفليكس وجوجل".
ثلاثة من أهم موضوعات صندوق كواتو للعقد المقبل هي السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المناخ. إذ تتصور الشركة عالما يتم فيه تشغيل السيارات الكهربائية بواسطة الألواح الشمسية، ويمكن الذكاء الاصطناعي المحتوى الفردي، وتصبح المنازل محطات طاقة فردية ترسل الكهرباء إلى الشبكة. بنى صندوق كواتو مكانة كبيرة في شركة نفيديا لصناعة الرقائق الأمريكية - التي انخفضت أسهمها بنسبة تزيد على 45 في المائة هذا العام - لأن الطلب على أشباه الموصلات يقع عند تقاطع كل هذه الابتكارات التكنولوجية.
في الوقت الحالي، يوجد لدى صندوق التحوط الخاص بلافونت أموال نقدية أكثر من أي وقت مضى منذ أن بدأت شركة كواتو العمل. مرة أخرى، يتصارع الحذر المتأصل لمؤسسها مع إيمانه بالابتكار التكنولوجي.
قال لافونت في مكالمة مع المستثمرين الشهر الماضي "إنني حريص على توظيف رأس المال وسنقوم بذلك بالسعر المناسب. لكن لا تزال هناك قيمة في التحلي بالصبر والمسؤولية والجانب السلبي قد يكون كبيرا (...) كلما نجحنا في إدارة المخاطر بشكل أفضل على الجانب السلبي، أمكننا أن نكون أكثر قوة في التعافي".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES