Author

الصكوك الإسلامية والتوظيف الأمثل للسيولة

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

منذ أن بدأت المملكة إصدار الصكوك الإسلامية الحكومية، والإقبال كبير على هذه الإصدارات برؤوس أموال تغطي الطرح أضعاف القيمة المطلوبة، وفي خبر لصحيفة "الاقتصادية" ذكر أن الصكوك الحكومية اليوم ارتفعت عوائدها لتكون الأعلى حاليا منذ إطلاق هذه الصكوك، وذلك انعكاس طبيعي للارتفاعات المتوالية في أسعار الفائدة التي أقرها "الفيدرالي" ولا يزال مستمرا في زيادتها في ظل بقاء سبب ذلك قائما وهو التضخم، وفي موقع مصرف الراجحي تم إعلان نتائج الاكتتاب الهائلة التي تمت على الإصدار الذي بلغت عوائده 5.5 في المائة، وبحسب ما ذكر رئيس مجلس إدارة المصرف، "الاكتتاب حقق أرقاما قياسية هي الأضخم في تاريخ سوق الصكوك السعودية، حيث تجاوز عدد المستثمرين المحليين والأجانب 125 ألف مستثمر من الأفراد والشركات والمؤسسات المالية والجمعيات الخيرية وصناديق الاستثمار، اكتتبوا بأكثر من 11 مليون صك تجاوزت قيمتها الإجمالية 11 مليار ريال، وبمعدل تغطية نحو 300 في المائة من حجم الإصدار الأصلي البالغ أربعة مليارات ريال".
ولا شك أن جمع ثلاثة أضعاف الطرح تقريبا يدل على أمور، منها جاذبية الصكوك الإسلامية كأداة تعد آمنة من المخاطر، كما أن هذه النسبة تدل على وجود سيولة كبيرة تبحث عن الفرص، وليس هذا في الصكوك الإسلامية فقط، بل في سوق الأسهم إذ تتم تغطية الاكتتابات بمبالغ أضخم بكثير من حجم الطرح، وهذا كله يدل على تعطش السيولة للوصول إلى الفرص في السوق، وأن هناك وعيا أكبر بين المواطنين لاستثمار أموالهم بدلا من إبقائها مودعة في حساباتهم الجارية، كما أن عدد المستثمرين البالغ 125 ألفا في هذا الإصدار، رغم أن الإصدار يبدأ من ألف ريال وهناك حد أدنى للاكتتاب، يعد مؤشرا إيجابيا للسوق في المملكة، وأن هناك سيولة قوية يمكن أن تسهم في تنمية حقيقية للاقتصاد الوطني بعيدا عن الحاجة إلى السيولة من الخارج رغم أهميتها لتعزيز تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى السوق.
لا شك أن القطاع المالي قوي ومتين في المملكة والمؤشرات إيجابية بصورة كبيرة، وهذا يدفع المستثمرين في هذا القطاع إلى جعل المملكة من ضمن الخيارات الأفضل في العالم في ظل التقلبات الاقتصادية التي نشاهدها في كثير من الأسواق العالمية، والصعوبات التي تنتظر تلك الأسواق في ظل التضخم الهائل الذي سيكون سببا في ضعف جاذبية الأصول منخفضة المخاطر، في ظل تآكل عوائدها مع التضخم، وهذا مختلف تماما مع الحالة في المملكة، حيث إن مؤشرات التضخم التي بلغت 3 في المائة أقل من عوائد الصكوك الإسلامية حاليا، ما يجعل جاذبيتها عالية حاليا ويعزز من فرص مشاهدة إصدارات جديدة في السوق في ظل النمو الكبير في حجم المشاريع الحكومية والقطاع الخاص، وإنجاز جزء كبير منها وهو في طور التشغيل حاليا، ما يجعل الاقتصاد أكثر جاذبية.
رغم التقلبات في الأسواق بما فيها السوق المالية "تاسي"، إلا أن السيولة كبيرة وتبحث عن الفرص الجيدة بعوائد مناسبة، ولذلك لا يمكن الحكم على حالة الاقتصاد من السوق المالية، لأنها انعكاس للتقلبات في الأسواق العالمية، وقد يكون هناك تضخم لأسعار بعض الأسهم وقد تسربت السيولة منها إلى فرص أفضل، خصوصا مع ارتفاع عوائد الأصول منخفضة المخاطر، وهذا قد يكون له إيجابيات في تقديم فرص أكبر للمستثمرين للاستثمار في السوق بعوائد مجزية، ويزيد من فرص إقبال المستثمرين والإصدارات الجديدة لتصل السوق المالية في المملكة بقيمتها السوقية إلى واحدة من أهم ثلاث أسواق عالمية كما هو المخطط له في استراتيجية السوق، ولذلك من المهم تشجيع المؤسسات المالية سواء المصارف أو المؤسسات التمويلية التي نشطت أخيرا في السيولة، على البحث عن السيولة من خلال إصدار الصكوك بدلا من الاستدانة من البنوك الأخرى، حيث إن السيولة التي يمكن أن تحصل عليها من خلال إصدارات الصكوك قد تكون أضخم وأكثر استدامة من التي تحصل عليها من المصارف، خصوصا في ظل شح السيولة الذي بدأ الحديث عنه أخيرا.
الخلاصة، إن الصكوك الإسلامية حققت نجاحا كبيرا في الفترة الماضية، ووجود طروحات تستهدف شريحة جديدة مثل المؤسسات الخيرية والأفراد، سيكون له دور في التوظيف الأمثل للسيولة في يد هذه الفئات بما يحقق لهم عوائد جيدة، وتوازنا في محافظهم فيما يتعلق بالمخاطر.

إنشرها