Author

وقفات مع الحسد

|

ظاهرة الحسد ظاهرة قديمة قدم الإنسان نفسه فقد حسد أحد أولاد آدم عليه السلام أخاه لأن الله تقبل قربان أخيه ولم يتقبل قربانه، فقاده ذلك إلى الحسد المقيت وقتل أخاه وقد ورد ذكر القصة في محكم التنزيل. ولذا يعد الحسد أول ذنب عصي الله به في الأرض بجانب كونه أول ذنب عصي الله به في السماء، بسبب حسد إبليس آدم عليه السلام. وقد ذكر العلماء أن الحسد قسمان حقيقي ومجازي، فالحقيقي هو تمني زوال النعمة عن صاحبها، وهذا حرام دلت على تحريمه النصوص الصحيحة، وأما الحسد المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي عند غيره دون تمني زوالها عن صاحبها، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال، "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها"، فهنا في هذا الحديث "لا حسد" أي "لا غبطة".. أي لا يوجد ما يغبط عليه الإنسان ويتمناه الإنسان من أحوال الناس وما أعطاهم الله إياه إلا في هاتين الخصلتين.
وقد ورد النهي عن الحسد في أكثر من موضع في القرآن الكريم، "ومن شر حاسد إذا حسد"، ويلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى قيد شر الحاسد بقوله، "إذا حسد" لأن الحاسد قبل توجهه إلى المحسود بالحسد لا يتأتى منه شر، فلا مجال للاستعاذة منه لكن يستعاذ منه "إذا حسد"، لأنه ربما يكون هناك إنسان متصف بهذه الصفة الغريزية لكنها كامنة فيه فلا تخرج ولم يعمل بمقتضاها فهذا لا إثم عليه، بل يؤجر صاحبها لمجاهدته نفسه ومخالفته لطبعه وحرصه على ألا يتمنى زوال النعمة عن الآخرين. وكذا ورد في السنة عديد من الأحاديث التي تنهى عن الحسد..".. ولا يجتمعان في قلب عبد، الإيمان والحسد". الله سبحانه وتعالى قسم الأرزاق بين خلقه فالحسد ينبئ عن اعتراض على قدر الله. وأول ضحايا الحسد هو الحاسد نفسه فتجده مضطرب الفؤاد مهموم القلب حتى قالت العرب في حكمهم، "لم نر ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد" وفي ذلك يقول شاعرهم:
اصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله

إنشرها