Author

رحلة التحول .. زادها النفط «1»

|
مختص في شؤون الطاقة
رحلة تحول الطاقة هي رحلة طويلة، بل شاقة للوصول إلى الأهداف المرجوة المتعلقة بالاستدامة والتغير المناخي، لكن من غير الموضوعية أن يتم وضع وصفة موحدة لتحول الطاقة، ونعتقد أن هذه الوصفة ملائمة لجميع الدول! إمكانات الدول تختلف من دولة لأخرى، فلكل دولة سواء كانت منتجة أو مستهلكة للطاقة ظروفها الخاصة في شتى النواحي الاقتصادية والتقنية والبيئية والسياسية، وغيرها من الظروف الكثيرة المتباينة بطبيعة الحال.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجرف العالم خلف الشعارات الرنانة والحملات الإعلامية والإعلانية التي تطالب بالتحول الفوري للطاقة "البديلة" بحسب زعمهم، وتقويض صناعة النفط والاستثمار فيها من تنقيب واستكشاف وتطوير! من الأخطاء الشائعة في رأيي التي أسهمت في تعزيز الصورة الذهنية غير الدقيقة عن الطاقة المتجددة تسميتها بالبديلة، وهذا المصطلح، وأعني هنا "الطاقة البديلة"، يرسخ فكرة أن الطاقة المتجددة هي البديل للوقود الأحفوري، وهذا خطأ سيكون له تبعات كارثية لا قدر الله إذا ما تم تبني هذا التوجه على المدى المنظور. في ظل النمو المتسارع والمطرد في العالم سكانيا وصناعيا ومدنيا، ما يعني بالضرورة نموا مطردا ومتسارعا كذلك في الطلب على الطاقة، فالطاقة بروافدها المختلفة عنصر أساس لمواكبة هذا النمو. شح الطاقة سينعكس سلبا على جل القطاعات والأنشطة، فلا نمو صناعي في معزل عن الطاقة، ولا مدنية في ظل غيابها، وعليه في اعتقادي أن الأجدى التعاطي مع ملف الطاقة بموضوعية وبمبدأ التكامل بين جميع مصادر الطاقة المختلفة برفع كفاءة إنتاجها واستهلاكها، فالعلاقة ليست تفاضلية إذا ما نظرنا إلى الموضوع بصورة شمولية لا تغفل البعد الاستراتيجي لأهمية هذه المصادر في أمن الطاقة العالمي. الطلب على الطاقة واستخدامها يتحرك بناء على ثلاثة عوامل رئيسة وهي، السياسة والتقنية إضافة إلى تفضيلات المستهلك، والجدير بالذكر أن جميع هذه العوامل تتأثر ببعضها بعضا إيجابا وسلبا. فقد تدفع السياسة نحو مصدر من مصادر الطاقة وتهيئ له جميع التنظيمات والتشريعات المحفزة له، لكن قد تصطدم الرغبة السياسية بتفضيلات المستهلك. كذلك قد تواجه السياسات والتشريعات بعض العقبات والتحديات الفنية في دولة ما تقف عائقا لتحقيق التوجه السياسي، وتفضيلات المستهلك قد لا تتوافق ولا تنسجم مع التوجه السياسي أيضا، فالمستهلك في نهاية المطاف في الأغلب لا يبحث عن مصدر الطاقة الأكثر كفاءة واستدامة والأقل سعرا، ولا يولي الاقتصاد الكلي ولا قضايا المناخ ودهاليزها أي اهتمام.
الجدير بالتنويه أن المستهلك ليس بالضرورة أن يكون فردا، بل ينسحب ذلك على المؤسسات والمنظومات التجارية وغيرها، بل لا أبالغ عند القول إن ذلك ينسحب أيضا على بعض الدول، وسأسلط الضوء في هذه السلسلة من المقالات -بإذن الله تعالى- على نموذجين سياسيين في التعاطي مع قضية الطاقة ورحلة تحولها وفق المعايير التي ذكرتها سابقا، وهما النموذج السعودي والأوروبي، وهي مقارنة في رأيي ستفند كثيرا من الادعاءات المضللة من المكنة الإعلامية الموجهة ضد الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط، وستثبت بالحقائق أن الشعارات الرنانة لن تمد العالم بالطاقة. كذلك سأسلط الضوء على رحلة تحول الطاقة والعقبات التي ستواجهها، ودور النفط في رحلة التحول وتحقيق أهدافها بموضوعية وفاعلية... يتبع.
إنشرها