Author

تنويع منتجات الادخار للأفراد

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

الثقافة المالية جزء لا يتجزأ من المهارات الحياتية التي ينبغي أن يتعلمها الفرد وتكون جزءا من ممارساته الضرورية، وفي ثقافة المجتمع منذ القدم مسألة الادخار أمر لا بد منه باعتبار صعوبات الحياة التي كانت تواجه المجتمع، خصوصا قبل توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وبعد حالة الرخاء التي يعيشها المجتمع عموما، وفترة الطفرات الاقتصادية المتعاقبة والاعتياد على نمط الوظائف الذي يضمن دخلا شهريا ثابتا للفرد، ووجود المغريات من المنتجات التي تدفع الفرد إلى الاستهلاك أكثر، إضافة إلى وجود متطلبات ونفقات تتزايد على الفرد لم يكن يخطط لها، جعلت مسألة الادخار لدى البعض أمرا صعبا، وفي المملكة يرى البعض أن نسب الادخار للأفراد تعد منخفضة نسبيا مقارنة بدول الـ20 الأضخم والمتوسطات العالمية التي تقدر بـ10 في المائة، وبناء ثقافة الادخار للوصول إلى هذه النسب تم تضمينها في رؤية المملكة 2030، وهي من ضمن الأهداف لبناء مجتمع أكثر قدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية وأكثر رشدا في الإنفاق المالية، ولا شك أن هذا تحد كبير ومن المهم العمل على بناء هذه الثقافة في الأجيال، خصوصا أن المجتمع اليوم أكثر وعيا وقد يكون أمام مجموعة من الفرص والتحديات مع التحولات الكبيرة في الاقتصاد الوطني بما في ذلك التحول في شكل الوظائف ومتطلباتها، وقد يوفر فرصا أكبر لتنويع مصادر الدخل للفرد والحصول بشكل أسرع على فرص للوظائف أو لكسب أفضل في ظل النمو الاقتصادي، إلا أن نمط الوظائف يميل إلى وظائف القطاع الخاص التي لا يوجد فيها ما يسمى بالأمان الوظيفي، لكن في المقابل يتميز هذا القطاع بتوليد فرص كبيرة للأفراد.
ثقافة الادخار تبدأ من خلال مقاعد الدراسة حيث يكون لدى الطالب وعي أكبر بالعلاقة مع المؤسسات المالية التي تعد المؤسسات الحاضنة بصورة أكبر لفرص الادخار، كما أن هذه المؤسسات تتمتع بخبرة واسعة يمكن أن تتولى من خلال برامج متوازنة مسألة الادخار للأفراد في بدايات تجربتهم للاستثمار، والمؤسسات المالية في المملكة متعددة ومتنوعة بما يعزز من فرص تنوع هذه الاستثمارات.
لعل من أهم المبادرات في هذا الشأن تشجيع المؤسسات المالية على توفير منتجات منخفضة المخاطر لتشجيع الأفراد على الادخار من خلال الحسابات الشخصية، التي تركز على الأدوات الاستثمارية منخفضة المخاطر على غرار ما هو متاح لدى كثير من المصارف حول العالم، بحسابات تسمى الحسابات الادخارية أو الوديعة الادخارية، وذلك من خلال اعتمادها على منتجات متوافقة مع الشريعة مثل المرابحة أو الصكوك الاستثمارية أو من خلال الوكالة وغيرها من الأدوات، التي أصبحت متاحة بصورة واسعة في المؤسسات المالية وبدأنا نرى بوادر لمثل هذه المنتجات، إلا أن الإقبال عليها ضعيف في ظل عدم فهم كثير من الأفراد لهذه المنتجات، وقلق البعض من سلامتها من الناحية الشريعة، حيث يعتقد البعض أن المنتجات منخفضة المخاطر هي خاصة بالمنتجات التقليدية غير المتوافقة مع الشريعة، وأن وجود المخاطر المتوسطة والعالية على غرار الاستثمار في الأسهم هو شرط لسلامة هذه المنتجات، وهذا غير دقيق، إذ إن الاستثمارات منخفضة المخاطر هي منتجات رئيسة في المؤسسات المالية الإسلامية، والمخاطر بحد ذاتها ليست شرطا في سلامة المنتج من الناحية الشرعية، بل المسألة مرتبطة بالضمان حيث لا تتحقق الربحية دون دخول المنتج في ضمان المشتري أو المستثمر، وهذا أصل شرعي ينبني على قاعدة فقهية أصلها حديث للنبي صلى الله عليه وسلم وهو الخراج بالضمان، وهذا له علاقة بالمخاطرة بشكل أو آخر لكن لا يشترط معه أن تكون المخاطرة عالية.
ولذلك من المهم أن يكون هناك تحفيز للمؤسسات المالية خصوصا البنوك والمصارف، وأن يكون لديها منتجات ادخارية للأفراد ويكون هناك عرض وتسويق لها، وتنسيق بينها وبين مبادرة من لجنة التوعية المصرفية، بهدف التعريف بمثل هذه المنتجات وهذا مما يعزز فرص تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 فيما يتعلق بزيادة نسبة ادخار الأفراد في المجتمع.
الخلاصة، إن ثقافة الادخار لا شك أنها مهمة كمهارة للأفراد لأسباب تتعلق بتحقيق الاستقرار المالي للأسر في المملكة وقدرة الأفراد على مواجهة التحديات المالية التي يمكن أن يواجهها الفرد في أي مرحلة من حياته، والمؤسسات المالية والمصرفية من المهم أن يكون لديها خيارات للأفراد لتمكينهم من ادخار جزء من دخلهم من خلال منتجات متوافقة مع الشريعة، وهذا مما يعزز تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 فيما يتعلق بنسب ادخار الأسر في المملكة.

إنشرها