العشة الجازانية .. صمود في وجه الزمن بجهد إنساني كبير
احتلت "العشة" مكانا بارزا في بيوت أهالي منطقة جازان فاشتهرت كنمط عمراني فريد منذ مئات الأعوام، وبخاصة في السهول والمناطق الساحلية، وعرفت كبيت تهامي ظل صامدا على مر الأعوام، وأصبح الآن تراثا حضاريا يبوح بجهد إنساني كبير، ويقدم دلالات لمعالم التراث العمراني في المنطقة.
واستفاد الأهالي في أزمنة ماضية من موارد الطبيعة كمواد أساسية لبناء العشة، منها أشجار الأراك والأثل والمض والمرخ والحلفاء والثمام، فأبدعت أياد ماهرة، البناء بطراز هندسي مخروطي الشكل، يوائم مناخ المنطقة الحار والرطب فيسمح بدخول أكبر قدر من الهواء، ويمنحها صمودا أمام مختلف العوامل والظروف المناخية ويتحمل الأمطار الغزيرة ولا يسمح بتجمع المياه.
ومثل بناء العشة شراكة مجتمعية بين أبناء الحي أو القرية حين ساد التعاون بينهم لبناء ذلك النمط المخروطي من المنازل الشعبية، مرددين ألوانا من الأهازيج الشعبية أثناء البناء الذي يتفاوت وقته، وفقا لمساحته وحجمه في وقت أبدعوا فيه هندسة البناء الذي وقاهم الحر والبرد والأمطار والرياح، حيث امتازت العشة بجوها اللطيف صيفا بسبب تصميمها الذي يحوي "بابين" يطلق على الرئيس منهما "كابة" والصغير "عقاب"، ما يسمح بدوران الهواء داخلها، فيما تحتفظ بدفئها وقت الشتاء.
وشاركت النساء في جازان بتزيين العشة من الداخل بالنقوش والرسوم الملونة، وتعليق الأواني والأطباق التي تصدر أصوات رنين مع هبوب نسمات الهواء عليها، شكلت أنغاما اعتادت الأذن سماعها قديما، إلى جانب تعليق الأواني الفخارية والزنابيل وغيرها.
واشتملت العشة على عديد من الملحقات منها "العرسة" وهي أرضية البيت من الداخل، و"الطراحة" وهي الأرضية من الخارج وتصنع من الطين، وكذلك "المركب" وهو موقد صغير لصنع القهوة داخل العشة، و"المردام" ويبنى أمام الباب لمنع دخول مياه الأمطار للداخل.