Author

الشراء يبدأ بعد استسلام المستثمرين

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
ظاهرة استسلام المستثمرين من الظواهر التي يترقبها المحترفون في الأسواق المالية، لكونها ترمز إلى أفضل الأوقات للدخول إلى الأسواق، وعلى الرغم من أنه معروف أن لعبة توقيت الدخول والخروج من الأسواق عملية صعبة يندر وجود من يتقنها بشكل جيد، إلا أن رصد ظاهرة استسلام المستثمرين مهم للغاية، ويجب على المتداول التعرف عليها والاستفادة منها.
الحديث ينطبق على وسائل استثمارية كثيرة، لكن هنا نركز فقط على أسواق الأسهم، نظرا إلى شعبيتها وكثرة المتعاملين بها، ونتحدث عموما عن الأسهم الأمريكية والسعودية وغيرهما.
معروف أن حركة الأسهم تتبع مسارات زمنية تأتي في شكل وجهة زمنية صاعدة طويلة المدى تمتد عادة من خمسة إلى عشرة أعوام أو أكثر، وتتميز هذه الفترة في أن الاستثمار في الأسهم يعد مجديا للغاية، حتى في الحالات التي تحصل فيها عمليات تصحيح في الأسعار خلال تلك الفترة، فإن الأسهم تعاود مرة ثانية الصعود. لذا فخلال فترة الوجهة الصاعدة ينصح باستغلال حالات تراجع الأسعار لمزيد من الشراء، لأن الوجهة العامة صاعدة.
مثال على الوجهة الصاعدة ما شهدناه في حركة الأسهم الأمريكية منذ 2009 حتى منتصف العام الماضي، وكذلك ما رأيناه في الأسهم السعودية من 2002 إلى بداية 2006، ومرة أخرى من 2009 إلى أواخر 2014، وكذلك معاودة الوجهة الصاعدة منذ 2016 في الأسهم السعودية. وهناك وجهات هابطة كذلك قد تمتد إلى أعوام طويلة وفيها يكون الاستثمار في الأسهم غير مجد، وفي جميع الأحوال هناك مضاربون ـ بالذات في الأسواق الأمريكية ـ يجدون تداول الأسهم مجديا في جميع الأوقات بغض النظر عن الوجهة العامة للأسهم، لكن هذا ليس موضوع نقاشنا.
منذ اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية وبروز علامات التضخم التي بدأ يكافحها مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع معدلات الفائدة، ونحن نرى أسعار الأسهم الأمريكية في نزول شبه متواصل، وصل الأسبوع الماضي إلى انخفاض بـ25 في المائة للمؤشرات الرئيسة، وبـ35 في المائة لمؤشر ناسداك للأسهم التكنولوجية. وبدأ المهتمون محاولة رصد حالة الاستسلام ومحاولة معرفة وقت حدوثها، لتكون بذلك نقطة دخول آمنة في الأسهم. وكانت هناك بالفعل حالة استسلام في منتصف حزيران (يونيو) الماضي، وحدث ارتفاع مؤقت في الأسهم، ثم عادت الأسعار إلى مسارها الهابط.
ظاهرة الاستسلام تعني أن جموع المستثمرين قد رفعوا الراية البيضاء معلنين استسلامهم وعدم تمكنهم من مواصلة البقاء في سوق هابطة لا يعرف أين ستستقر ولا متى ستستقر. الاستسلام حالة نفسية تعتري المستثمرين فيتصرفون بشكل جماعي وتتبين الظاهرة عندما تتعرض الأسهم القيادية الكبيرة للبيع الجائر، ويلحظ ذلك في ارتفاع كميات التداول مع نزول حاد في الأسعار يستمر ليوم أو يومين متتاليين، وهناك طرق كثيرة لمحاولة رصد هذه الظاهرة، بعضها طرق تعتمد على الحالتين الاقتصادية والمالية وأخرى تعتمد على مبدأ التحليل الفني للأسهم.
هناك تعاقب ملحوظ لظاهرة الاستسلام حسب نوع الوسيلة الاستثمارية، فنجد عادة أن مستثمري الوسائل عالية المخاطرة هم أول من يعلن استسلامه، وهذا ما رأيناه في العملات المشفرة التي تعد عالية المخاطرة، وقبلها تم استسلام مستثمري ما يعرف بالأصول الرقمية الفريدة NFT، ومن ثم تأتي حالات الاستسلام في الشركات التقنية الصغرى ومن ثم المتوسطة وأخيرا الكبيرة. هذا الأسبوع كان أسبوع إعلان نتائج الشركات ورأينا حالات استسلام واسعة للشركات التقنية الكبرى مثل "مايكروسوفت" و"جوجل" و"ميتا" (فيسبوك)، الأخيرة هذه انخفضت بأكثر من 22 في المائة في يوم واحد.
خبراء التحليل الفني ينظرون إلى خرائط الأسعار ويكتشفون حالات الاستسلام باستخدام الشموع اليابانية، على سبيل المثال، فيكون الاستسلام هو اليوم "أو الأسبوع" الذي تتجلى فيه شمعة المطرقة، وهي مجرد رسم لحركة تداول السهم يظهر فيها نزول السهم في الفترات الماضية وينتهي ببيع جائر بكميات عالية ومن ثم موجة شراء قوية. هذه التحركات تظهر في الشموع على شكل مطرقة بعصا طويلة. على سبيل المثال لم تظهر هذه المطرقة في سهم "فيسبوك" لأن السهم استمر في النزول طوال اليوم ولم تكن هناك موجة شراء ولا مطرقة.
ظاهرة الاستسلام طبيعية وتتكرر كثيرا في وسائل مختلفة، وأحيانا يحصل هناك استسلام آخر بعد تعاف قصير، لكن عموما الاستسلام الجماعي في أكثر من سهم هو الذي له تأثير كبير، وحين نراه ويحصل بعده بالفعل ارتداد لعدة أيام فإن ذلك يكون من الفترات الذهبية لاقتناص الفرص في الأسواق، على الأقل على المديين القريب والمتوسط .. لأسابيع أو أشهر قليلة.
دورة الأسهم معروفة وتبدأ بحالات تفاؤل نحو الأسهم نتيجة تحسن أرباح الشركات ومناسبة أسعار الأسهم، وهي الفترة التي تسمى فترة التجميع ويستفيد منها أولئك الذين لديهم المال في الوقت المناسب، ولديهم القدرة والرغبة للدخول في الأسهم. بعد ذلك تبدأ مرحلة الحماس ثم الابتهاج ثم الإفراط في الانتشاء، وذلك حين تصل الأسعار إلى القمة، ثم تبدأ مرحلة التصريف وهي الخروج المبكر للأموال الذكية، وتلي ذلك مرحلة القلق والخوف من فقاعات الأسهم لكن تستمر الأسهم في الصعود.
مرحلة القلق تتزامن معها أو تتبعها مباشرة مرحلة الإنكار، وهي الحالة التي يرى فيها المستثمرون نزول الأسعار، لكنهم غير مصدقين بها ويختلقون الأعذار لتبرير بقائهم فيها، لكن تبدأ بعد ذلك مرحلة الخوف ثم الهلع التي تنتهي بمرحلة الاستسلام التي قد تمتد إلى فترة طويلة نسبيا، لأيام أو لأسابيع قليلة، وفيها يبحث عن دلائل نهاية الاستسلام، مثل شمعة المطرقة التي تحدثنا عنها. في الأسهم الأمريكية يبدو أننا دخلنا في مرحلة الاستسلام لكن علينا ترقب ظهور المطرقة!
إنشرها