Author

الأزمات تصنع الفرص .. إلى أين تتجه الأموال؟

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد

ثمة حقيقة مؤكدة وهي أن فرص الثراء كثيرة ومتنوعة، لا تتوقف بسبب التقلبات الاقتصادية أو المالية، بل إن عدد الفرص يزيد أو يقل حسب الظروف، وقد تتكاثر الفرص في مجال معين أو في منطقة جغرافية معينة أو لسد حاجات شرائح معينة من المستهلكين، أو للحاق بموضة استهلاكية أو صرعة ما، وهكذا. كذلك من المؤكد أن الأزمات، خصوصا الاقتصادية والمالية منها، ينتج عنها تحركات لرؤوس الأموال من مكان إلى آخر ومن وسيلة استثمارية إلى أخرى، ودوما يستفيد من ذلك أولئك الذين لديهم القدرة على دراسة الواقع واكتشاف الفرص مبكرا والانضمام إلى الموجة الجديدة متى وجدوها.
السبب في كون فرص الثراء لا تتوقف هو أن الأموال في تحرك مستمر وانتقال من مجال إلى آخر، فالتوقف يعني الاستسلام لمخاطر التضخم وتآكل رؤوس الأموال، لذا فأصحاب الأموال لا يرضون بترك أموالهم بلا وسيلة استثمارية أو ادخارية أو تجارية مناسبة. فالمعروض النقدي في البلاد عادة يكون في ازدياد مستمر، مثلا مقياس عرض النقود "ن3" في الولايات المتحدة يقترب من 22 تريليون دولار، وهو في نمو متواصل منذ عشرات الأعوام، وكذلك في المملكة عرض النقود في ارتفاع متواصل، حيث يصل حاليا إلى نحو 2.5 تريليون ريال. وعلى الرغم من أن عرض النقود لا يشمل جميع الأموال ولا يسجل مقدار الثروات، إلا أنه مقياس يعبر عن مستوى السيولة في البلاد، وهو الذي يرتفع نتيجة تزايد الائتمان المصرفي والسيولة التي يقوم بضخها البنك المركزي بين الحين والآخر.
إلى أين ستتجه الأموال في الفترات المقبلة؟
أولا، هناك التنقلات المعتادة بين الوسائل الاستثمارية، مثل الانتقال بين فئات معينة من الأسهم إلى فئات أخرى، مثلا الانتقال من أسهم النمو إلى أسهم العوائد، أو من أسهم التكنولوجيا إلى أسهم البنوك. وهناك الانتقال من الأسهم إلى السندات، الذي يحصل عندما ترتفع عوائد السندات، كما هو الحال هذا العام، حيث تصل عوائد بعض الوسائل الآمنة إلى 6 في المائة وأكثر، فتنتقل الأموال إلى السندات، وهذا ما نراه في السندات الأمريكية، حيث تتجه أموال المستثمرين إلى السندات قصيرة الأجل، من مدة شهر إلى عام واحد، وذلك بهدف الاستفادة من العوائد المرتفعة وتجنب مخاطر الاستثمارات الأخرى إلى أن تتضح الرؤية بشكل أفضل.
هذا يعني أنه على وجه العموم هناك كمية من السيولة تتجه من مكان إلى آخر في الأسواق المالية نتيجة الاختلالات التي تحدث بين الحين والآخر، كالأزمات المالية والتقلبات الاقتصادية، وهناك من المختصين من يدرس عمليات تبادل الأدوار هذه ويحاول استباق السيولة في الوصول إلى الوسائل المستهدفة قبل أن يصل إليها الآخرون، فتتجه السيولة إلى السلع أو السندات أو العملات أو العقار وغير ذلك.
أحيانا تخرج السيولة من الأسواق المالية بشكل كامل وتتجه إلى وسائل أخرى. على سبيل المثال، عندما تحصل اختلالات في الأسواق المالية يتجه بعض المستثمرين إلى ريادة الأعمال من خلال صناديق رأس المال الجريء، وهو ما شهدناه عقب الأزمة المالية في 2008، حيث تكاثرت الشركات الناشئة، التقنية خصوصا. في مثل هذه الحالات الذي يحصل هو أن الأموال تفقد شهيتها تجاه الأسهم المدرجة فتتجه إلى الشركات الناشئة التي لديها أفكار جديدة وطرق إبداعية ينقصها المال فقط.
عقب أزمة 2008 ظهرت أفكار ما يعرف بالاقتصاد التشاركي وتلقت هذه الأفكار الدعم المالي الكبير، فخرجت علينا شركات النقل والتوصيل وتأجير الغرف والمعدات، إلى جانب شركات تعمل على أساليب تقنية جديدة طموحة، سواء باستخدام علوم الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، أو توظيف الرياضيات وعلوم الكمبيوتر للخروج بعملة افتراضية جديدة، ما عرفت بالعملات المشفرة، التي بلغت القيمة السوقية لأكبرها، عملة بيتكوين، أكثر من تريليون دولار العام الماضي.
كذلك هناك أموال تخرج من الأسواق المالية إلى الملكية الخاصة، وهي من الطرق التي يجد فيها بعض المستثمرين فرصا مناسبة في شركات خاصة، خصوصا تلك التي بحاجة إلى دعم مالي بسبب مصاعب مالية لديها، فتتجه إليها الأموال التي في الأغلب تكون قد خرجت من الأسواق المالية.
أحيانا تجد أموال المستثمرين طريقها إلى مجالات ضيقة حسبما يستجد من أنماط استهلاكية أو موضات وتقليعات، سواء في عربات الأغذية التي تقدم المأكولات الخفيفة أو الشاي والقهوة، أو في المقاهي ذات الجلسات الوثيرة، أو في مطاعم الوجبات السريعة ذات الوجبات المبتكرة. كما أن الأزمات أحيانا تصنع فرصا واعدة في مجالات صناعية منسية أو مهملة، فتتجه إليها الأموال وتعيد الحياة إليها.
شهد 2022 منذ بدايته تقلبات حادة في الأسواق المالية، بهبوط حاد في أسعار الأسهم وأسعار السندات، ولم يتحرك أي من الملاذات الآمنة المعتادة كالذهب والعقار، ما يعني أن الأموال في فترة حيرة تحاول فيها اكتشاف الفرص الجديدة. في مثل هذه الأوقات تأخذ الأموال قسطا من الراحة في السندات الحكومية ذات السيولة العالية والفترات الزمنية المتعددة، وهو ما نراه في الانخفاض النسبي لعوائد السندات قصيرة الأجل.
الجواب عن التساؤل المطروح في هذا المقال غير معروف بشكل قاطع، إلا أن أي شخص مهتم لو بحث جيدا قد يجد ضالته ويبادر إلى الاستثمار في إحدى موجات الاستثمار المقبلة.

إنشرها