المزارعون .. نزرع أم لا نزرع؟

كلمة زراعة تأتي في الأصل من "زرع" الحب زرعا أي بذره، وحرث الأرض للزراعة أي هيأها لبذر الحب. قديما الزراعة كانت تعني "علم فلاحة الأراضي" فقط، ولكن الكلمة الآن تغطي عدة أنشطة مثل إنتاج الحبوب والفواكه والخضار والأعلاف والطحالب والأعشاب البحرية، بل تتجاوز النبات بأكمله لتشمل إنتاج الألبان والدواجن والأسماك واللحوم الحمراء، وتحولت الزراعة في الوقت الحاضر إلى صناعة لإنتاج جميع أنواع الغذاء الطازج والمبرد والمجمد والصناعات الغذائية بكل أنواعها.
فالزراعة وممارستها في كل دولة تمثل الركيزة الأساسية لإنتاج الغذاء والأمن الغذائي الذي لا حياة دون الاعتماد عليها وفي كل الظروف المستقرة وغير المستقرة، وغني عن التعريف أهمية العناية بالقطاع الزراعي وتقديم العون والمساعدة والمساندة للمزارعين باعتبارهم اللبنة الأولى لإنتاج الغذاء وكونهم يواجهون كثيرا من الصعوبات جراء الإنتاج، ما يتطلب تهيئة الآبار وصيانة وسائل ومعدات الري والحصاد والنقل والتخزين.
النشاط الزراعي لا تتحقق جدواه خلال عام أو عامين بل يتطلب على الأقل أربعة أو خمسة أعوام متوالية من الإنتاج لتغطية تكاليف التهيئة والإعداد للزراعة وتحقيق الجدوى الاقتصادية لأي مشروع زراعي.
يترقب المزارعون حلول الإثنين المقبل 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، حيث تحتضن العاصمة الرياض النسخة الـ 39 للمعرض الزراعي السعودي السنوي الذي يهدف إلى عرض آخر التطورات التكنولوجية والمنتجات والآلات والحلول المستحدثة في هذا القطاع. ويعكس هذا المعرض الذي ينظم تحت الرعاية المتواصلة لوزارة البيئة والمياه والزراعة، ما توليه المملكة من اهتمام ورعاية لهذا القطاع وطموحها لتحقيق تطور بعيد المدى ومواكبة مسارها نحو التميز ومطابقة المعايير الدولية، والحذو حذو أقطاب العالم في النهوض بالزراعة بكل مجالاتها.
ولا شك أن الزراعة في المملكة أصبحت صناعة زراعية بروافد تمثل التصنيع الغذائي للمنتجات الزراعية كالألبان والدواجن والأسماك والأعلاف المركزة، وتبقى الحبوب وأهمها القمح العنصر الأساسي في السلسة الغذائية الذي لا غنى عنه على المائدة اليومية.
تستهلك السعودية نحو ثلاثة ملايين طن من القمح سنويا، وشهد إنتاج القمح في المملكة مراحل تجاوزت فيه المملكة احتياجاتها المحلية بإنتاج أكثر من أربعة ملايين طن غطت الاحتياج المحلي وتم تصدير الفائض لبعض الدول المجاورة، ثم شهد بعد ذلك (2005) انحسارا تدريجيا بنسبة مجدولة 12.5 في المائة ؜ سنويا ليصل 2013 إلى الصفر لتوفير المياه السطحية والجوفية وتتحول المملكة مستوردا للقمح، ونتج عن ذلك صعوبات للمزارعين، خاصة أولئك الذين يمارسون إنتاج القمح فقط، وفي العامين الماضيين تبين أهمية إنتاج هذه السلعة الرئيسية، خاصة ما تكشفت عنه أزمة كورونا من توقف جميع وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية وتعذر نقل المواد الغذائية بين الدول، بل وبدأت بعض الدول حظر تصدير منتجاتها من الحبوب والزيوت الغذائية بحجة "الأوليات للأمن الغذائي المحلي" وبدأت وزارة البيئة والمياه والزراعة بدعوة المزارعين للعودة لزراعة القمح بحصة تصل إلى مليون ونصف المليون طن سنويا وبسعر شراء ثابت من قبل المؤسسة العامة للحبوب "ريال وسبعون هللة".
لا تزال استجابة المزارعين خلال السنتين الماضيتين متواضعة، حيث لم يتم إنتاج وتوريد نصف المستهدف حتى الآن! وهذا التردد من مزارعي القمح وبعض المحاصيل والمنتجات الأخرى جراء عدم وضوح الرؤية لديهم حيال التوجهات المستقبلية للزراعة في المملكة رغم توجهات الدولة بالإنفاق بسخاء على الغذاء، حيث صرح وزير البيئة والمياه والزراعة في الخامس من أيلول (سبتمبر) 2022 عن صدور الموافقة لتخصيص نحو 91 مليار ريال سيتم استثمارها لرفع المحتوى المحلي من كل المنتجات الغذائية.
هذا الدعم والتوجه لم ينعكس حتى الآن على حماس المزارعين، خاصة منتجي القمح بالمضي قدما في ترميم مزارعهم والاستثمار في متطلبات التشغيل لتوجسهم بالحد من الزراعة مجددا وعدم التصريح من قبل الجهات المختصة أن الدعم سيستمر لعدة أعوام مقبلة، إضافة لما يوجهونه من صعوبات في الحصول على العمالة الزراعية أو الموسمية الكافية، فضلا عن مشكلات تسويق منتجاتهم التي لا تزال تترقب مصير أسواق النفع العام بعد انتقالها لوزارة البيئة والمياه والزراعة، وكلهم أمل أن تنظم هذه الأسواق قريبا بما يعود على المزارع والمستهلك بالجودة والسعر المناسبين، وأن يختفي أطراف عديدة لا داعي لها في سلسلة الإمداد بقيت تحت سيطرة العمالة الأجنبية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي