Author

تحول الطاقة بعين سعودية

|
مختص في شؤون الطاقة

ذكرت سابقا أن الطاقة شريان الاقتصاد، ومحرك التنمية، وقلب التطور النابض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال دورها التاريخي، وأهميتها حاضرا ومستقبلا، وارتباطها ارتباطا وثيقا بالمدنية والاستدامة. أضفت أن النمو الاقتصادي لأي دولة يرتبط ارتباطا وثيقا بصناعاتها المختلفة، ولنمو القطاع الصناعي واستدامته لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الشريان الرئيس الذي يغذي هذا القطاع المهم، وهو شريان الطاقة. النمو السكاني والاقتصادي المتسارع يعني بالضرورة نمو الطلب على الطاقة، ويعني أيضا أن اختلال توازن منظومة الطاقة العالمية سيؤدي إلى تقويض هذا النمو الذي يبحث عنه الجميع بل يحاربون من أجله. مزيج الطاقة ضرورة ملحة للمحافظة على المصادر الناضبة منها، وللمحافظة على أمن الطاقة العالمي والمستقبل المحفوف بمخاطر شح الطاقة وانعكاساته غير المحمودة، بل الكارثية لا قدر الله، حيث إن العلاقة بين مصادر الطاقة يجب النظر إليها نظرة شمولية على أنها علاقة تكاملية لا علاقة تفاضلية وتنافسية بحتة. السعودية بموضوعية وبعيدا عن العاطفة، تعي تماما أن مزيج الطاقة هو الحل الأمثل لاستدامة النمو الاقتصاد العالمي والمحلي، وتعي يقينا في اعتقادي أن العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة ليست علاقة صفرية يتوجب فيها أن يلغي أو يهمش أحد مصادر الطاقة أهمية المصادر الأخرى.
المتابع لقطاع الطاقة وصناع القرار فيه يلاحظ أن هناك توجها عالميا معلنا من بعض الدول، بل خططا تنفيذية على أرض الواقع للوصول إلى صافي صفر انبعاثات في مدد زمنية مختلفة، ويختلف الإطار الزمني لوصول هذه الدول إلى أهدافها بين دول وأخرى وفق عوامل كثيرة منها، الاقتصادي والسياسي وغيرهما، تتباين على أثرها الأدوات المتاحة لتنفيذ هذه الخطط. في السعودية أعلنت أرامكو خطتها للوصول إلى صافي صفر انبعاثات بحلول 2050، ورسمت وزارة الطاقة خارطة طريق عملية وموضوعية لتحقيق ذلك، ومن أهم ملامح هذه الخارطة توليد نحو 12 جيجاواط سنويا من الطاقة المتجددة بحلول 2030، وإنتاج ما يقارب 11 مليون طن من الأمونيا الزرقاء سنويا بحلول 2030 كذلك. نحو الهدف ذاته قررت أرامكو السعودية خفض استخدام الكربون في إنتاج النفط والغاز 15 في المائة، حيث يستخدم الكربون وبعض الغازات الأخرى في عملية الرفص الصناعي لاستخراج النفط والغاز، حيث يتم حقن آبار موازية لبئر الإنتاج الرئيسة بخليط من الغازات لرفع ضغط المكمن وتخفيف لزوجة النفط أحيانا، وبالتالي دفعه عبر أنابيب الإنتاج، وقد تناولت الجانب الفني لعمليات الرفع الطبيعي والصناعي للنفط في سلسلة من المقالات بالتفصيل.
تهدف السعودية أيضا إلى تعزيز الاستثمار في تقنيات التقاط الكربون وتخزينه، وذلك لالتقاط وتخزين 11 مليون طن سنويا من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويا بحلول 2035. رحلة تحول الطاقة ليست طريقا تحفه الورود، بل طريقا شائكا سيواجه كثيرا من العقبات والتحديات الفنية والاقتصادية، وعليه رحلة التحول في رأيي هي رحلة جماعية وقافلة يجب أن تتسم بأعلى معايير الانسجام والموضوعية والنظرة الاستشرافية الواقعية. السعودية سبقت الجميع في الوصول إلى المعادلة الفاعلة وذلك برفع كفاءة واستهلاك جميع مصادر الطاقة المتاحة بتوازن، وتعي أن رحلة تحول الطاقة ليست سباق سرعة قصير المدى، بل سباق تحمل طويل المدى، فهل من منصت؟

إنشرها