Author

الاحتياطي الفيدرالي بين ألم الركود والتضخم

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

اسم جيروم بأول أصبح الأهم والعنوان الأبرز على مستوى العالم في ظل ترقب كثير لقرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وقد اتسمت تصريحاته بالحدة تجاه الأسواق في تصريحات لا تجامل الأسواق ولا التقلبات التي ستنشأ عنها في ظل إعلان صريح، بأن سلسلة الارتفاعات في أسعار الفائدة مستمرة بحدة في هذا العام إلى أن تصل إلى قريب الـ4.5 في المائة، وبأقل حدة في العام المقبل، إلى أن يهدأ التضخم ويصل إلى المعدلات المستهدفة، وهي 2 في المائة.
لا شك أن هذه الإجراءات الحادة خلال فترة وجيزة سيكون لها أثر سلبي في الأسواق، وسيكون هناك تدهور لبعض الأسواق، وبما أن العالم أصبح يتأثر ببعضه في الخطوات والإجراءات والضرر في الاقتصاد، خصوصا إذا ما كان ذلك مرتبطا بالولايات المتحدة التي يمثل حجم اقتصادها أكثر من 20 في المائة من اقتصاد العالم، وهذا في صورة نشاطها المباشر في الولايات المتحدة، إلا أن الشركات الأمريكية تعد الأكبر والأكثر انتشارا حول العالم، ولذلك لا يمكن تقييم أثر المتغيرات في الاقتصاد الأمريكي في حجم الاقتصاد، بل لا بد من الأخذ في الحسبان الشركات التي أصبحت إمبراطوريات حول العالم، ومن هنا نجد أن تأثير الإجراءات والخطوات التي يتخذها الفيدرالي لن يكون في الولايات المتحدة، بل في معظم دول العالم.
المتغيرات حول العالم اليوم ليست في التضخم والإشكالات في سلاسل الإمداد، بل أصبح الأمر أكبر وأعمق، ما يعني أن إصرار الفيدرالي على الإجراءات الحادة للوصول إلى التضخم عند 2 في المائة، هو المستهدف والمعتاد عليه في الظروف العادية، إلا أن العالم يشهد مجموعة من المتغيرات بعد وباء كوفيد- 19، واليوم العالم في أزمة الحرب بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى، التي ترتب عليها ارتفاع في أسعار الغاز والطاقة، كما أن الإمدادات من الحبوب ستكون أزمة في ظل استمرار الحرب وإصرار روسيا على عدم الخروج وإنهاء الحرب، إلا بعد أن تحقق الأهداف التي من أجلها بدأت الحرب، وهذا من شأنه أن يبقي مجموعة من السلع وأسعار الطاقة والغاز في ارتفاع حتى لو تم رفع الفائدة بشكل أكبر خلال الاجتماعات المقبلة للاحتياطي الفيدرالي.
سوق الوظائف في الولايات المتحدة والدول الأوروبية اليوم في حالة جيدة وانخفضت نسبة البطالة إلى نسب متدنية جدا في الولايات المتحدة، إضافة إلى الارتفاعات الملحوظة في الدخول لدى الموظفين وزيادة في الفرص الوظيفية، وهذا يعني إنفاقا أكثر، وبالتالي ارتفاعات في الأسعار تنتهي بالتضخم.
النتيجة التي يمكن أن تحصل من هذه الإجراءات فيما لو أصر الفيدرالي على الوصول إلى 2 في المائة، يعني بالضرورة أن الضغط سيكون على السلع الأكثر استقرارا للوصول بها إلى أسعار ما قبل 2019، إضافة إلى الأصول في قطاعات مثل الخدمات والتأجير التي ليست لها علاقة مباشرة بالأزمات حول العالم، ولذلك يتوقع أن يشهد بعض الدول، خصوصا الولايات المتحدة، تأثرا في القطاع العقاري، وإن كان الفيدرالي لا يرى في ذلك مشكلة، وهذا يعني انخفاضا في الإيجارات، وبالتالي في أسعار العقارات، لكن في المقابل سترتفع تكلفة الديون، خصوصا أنه في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم في الأغلب ما تكون الفائدة على الدين مرنة، بمعنى أنها تزيد مع رفع الفائدة، وهذا سيكون كارثة على بعض الأفراد والشركات، ولا سيما أن حجم ديون الأفراد في الولايات المتحدة عال، ما قد ينشأ عنه ألم آخر وهو تعثر البعض عن سداد هذه المديونيات، ولذلك فإن أثر رفع الفائدة قد يكون كارثيا على البعض، بل على دول تعاني ارتفاع الديون عليها عطفا على حجم ناتجها المحلي، بما في ذلك دول متقدمة اقتصاديا.
الخلاصة، إن الإصرار على الوصول إلى معدل تضخم 2 في المائة سيكون له انعكاسات قد تكون غير متوقعة، خصوصا في ظل وجود عوامل تدفع بأسعار بعض السلع إلى أن تبقى مرتفعة، ما يعني الضغط لانخفاض سلع أخرى بأقل من أسعارها قبل أزمة التضخم، كما أن تكلفة الديون القائمة ستكون مرتفعة، ما قد يؤدي إلى تعثر بعض تلك الديون وانعكاس أثره في الأسواق.

إنشرها