ثقافة وفنون

"يوميات بائع كتب".. الأوراق على رفوف مدون ظريف

"يوميات بائع كتب".. الأوراق على رفوف مدون ظريف

"يوميات بائع كتب".. الأوراق على رفوف مدون ظريف

"يوميات بائع كتب".. الأوراق على رفوف مدون ظريف

شون بيثل

أهل الكتب هم من لا يشترون كتبا أبدا، لعل هذه إحدى المفاجآت التي يتضمنها كتاب "يوميات بائع كتب"، التي كشف فيها شون بيثل أسرارا من عالم هذه الصناعة، وتفاصيل عن مزاج زبائن الكتب وما يقرأونه، وخفايا عن عالم لا يبدو ورديا كما هو المتوقع.
في 400 صفحة، يتحدث بيثل عن المولعين بالكتب، والترويج للكتاب بأفكار مبتكرة، ونصائح خبير من بائع كتاب أمضى نحو عقدين في هذه المهنة، هذا كله في كتاب وصفته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية بأنه "حميم، ظريف، ومضحك لدرجة الضحك بصوت عال"، نشر بـ17 لغة، وبيعت حقوقه لمسلسل تلفزيوني.

فردوس من الكتب
يستشهد مؤلف الكتاب في أحد فصوله باقتباس للروائي والصحافي البريطاني جورج أورويل، معرفا وممهدا لهذه المهنة الأنيقة، حينما دون في كتابه المعروف "مذكرات مكتبة" تخيلاته حول متاجر بيع الكتب المستعملة، إذ يقول "حين عملت في محل لبيع الكتب المستعملة، تتخيله بكل سهولة - إن لم تكن عملت في مكتبة من قبل - نوعا من فردوس حيث رجال عجائز دمثون يتنقلون بين الكتب، متصفحين على نحو لا ينتهي، وسط مجلدات مغلفة بجلد العجل، أكثر ما أثر في هو ندرة الناس المولعين بالكتب حقا".
ويسير بنا شون بيثل إلى الحقيقة ذاتها، فهو صاحب مكتبة تدعى "ذا بوكشوب" في ويغتاون في اسكتلندا، محل لبيع الكتب المستعملة برفوف مدعومة بـ100 ألف كتاب تقريبا، وتستقبل يوميا نحو 100 كتاب من الناس في كل الموضوعات، وهو واحد من الأفراد الفاعلين وراء مهرجان ويغتاون للكتاب، اشترى هذه المكتبة ويديرها منذ 2001، بشغف متزايد وبمزاج عكر مستوحى من التعامل مع زبائن أفظاظ، إذ يقول إنه كان ودودا قبل شرائه المكتبة، لكنه الآن متذمر، إثر الوابل الدائم من الأسئلة البلهاء من الزبائن، والوضع المالي الحرج لأعماله، والجدال الذي لا يكف مع موظفي المحل، وأولئك اللجوجين المتعبين الذين هم بحاجة دائما إلى المساومة على بضعة بنسات.
ومن المفارقات أن بيثل رأى هذه المكتبة حينما كان في الـ18 من العمر، وتراهن مع صديق له أن هذه المكتبة ستقفل خلال عام واحد، قبل أن يلتقي صاحب المكتبة أثناء بحثه عن وظيفة، ويقترح عليه شراءها لأنه على شفا التقاعد، فكانت بداية الحكاية.

كتب المتوفين
من المواقف التي يتعرض لها بائع الكتب باستمرار، التهديد المبطن من زبائن الإنترنت، مثل الزبون الذي يقول، "لم أتسلم كتابي بعد، رجاء حلوا لي هذه المشكلة، إلى الآن لم أكتب تقييما حول خدمتكم"، ويسميهم بالزبائن غير النزيهين، المعروفين باستخدام هذه الحيل لاسترداد جزئي أو كلي لنفقاتهم حين يستلمون ما طلبوه.
ويشير بيثل في كتابه إلى أن كثيرا من صفقات الكتب تبدأ بشخص غريب تماما يتصل هاتفيا قائلا إن أحدا قريبا له توفي حديثا، وكلفوه بمهمة التخلص من كتبه، ومن المفهوم أنهم ما زالوا في حزن، ومن المستحيل تقريبا ألا تنجرف في حزنهم، حتى بأبسط الطرق، النظر عبر كتب شخص متوفى تتيح فكرة عن أي نوع من الأشخاص كان، عن اهتماماته وإلى حد ما شخصيته، وتباع عادة بسعر بخس، فقد اشترى نحو 300 كتاب عن الطيران بـ750 باوندا فقط، تاركا بعض الكتب وراءه كذكرى لأهل المتوفى.

نادي الكتاب العشوائي
كان شون بيثل ذكيا، أسس نادي الكتاب العشوائي عندما ساءت الأعمال في مكتبته، ومقابل 95 باوندا في العام يتسلم المشتركون كتابا كل شهر، ولا يحق لهم إبداء الرأي في نوع الكتاب الذي يتسلمونه، فالاختيار هو بالكامل مسؤوليته، وهو سديد فيما يختار وضعه في الصندوق الذي ترسل فيه الكتب، وبما أن المشتركين هم بوضوح قراء مدمنون، فيحرص على اختيار الكتب التي يفترض أن أي أحد يحب القراءة من أجل القراءة سيستمتع بها، شيء لا يحتاج إلى براعة شديدة للفهم، مزيج من الأدب القصصي والأدب غير القصصي، مع ترجيح طفيف للأخير، وبعض الشعر، وجميع الكتب في حال جيدة، وعديد منها عمرها مئات الأعوام، ولديه نحو 150 عضوا في ناديه.
عادة ما يميل بيثل إلى تفادي أي نصيحة بقراءة شيء، مفضلا بسذاجة الحفر في منجمه الأدبي الخاص، ويرى أن الكتب هي السلعة التي يتاجر بها، معلقا، الأعداد الهائلة من الكتب التي تطوف حول العالم تثير افتتاني بطريقة مختلفة، عندما أذهب إلى مكان لشراء الكتب، الإحساس بالتوقع يوجد نوعا من الإثارة تسيطر علي، كما لو أنك تلقي بشبكة في البحر غير عارف أبدا ما ستجد فيها، أعتقد أن تجار الكتب وتجار الأنتيكا "التحف" يشتركان بإحساس الإثارة ذاك نفسه.
وفي أسلوب ساخر، وشائق، يفضح بيثل مدعي حب الكتب، فهم يمثلون إزعاجا دائما لمحل هو المكتبة، ويقول عنهم "الناس المولعون بالكتب حقا ندرة من النوادر رغم وجود أعداد كبيرة ممن يدعون ذلك، مثل هؤلاء من السهل التعرف عليهم، في الأغلب ما يقدمون أنفسهم بوصفهم أهل كتب، قد يرتدون قمصانا أو يحمل كل منهم حقيبة عليها شعارات تؤكد بالضبط حبهم للكتب، لكن الوسيلة الأكثر تأكيدا للتعرف عليهم هي أنهم لا يشترون كتبا أبدا".

موت صناعة الكتاب؟
في أزمان قديمة، كان أصحاب المكتبات يطبعون منشورات "كتالوج" من مخزونهم للزبائن على قوائمهم البريدية، مع أوصاف تفصيلية للعناوين التي يبيعونها، مثل مزخرف الحواف، نوع الحرف، معلومات النشر وغيرها، ولم يعد اليوم أحد في هذه التجارة ما زال يبعث هذه الكتالوجات، ولا سيما مع دخول عصر الإنترنت، وهي ليست أول فترة انتقالية في تاريخ النشر وبيع الكتب.
ويذكرنا بيثل بـ"زميله" بائع الكتب، الذي كان أول شخص في التاريخ تنبأ بموت صناعة الكتاب، إذ تشير جين كامبل في كتاب "المكتبة" إلى أنه بعد اختراع جوتنبرج للطباعة بحروف قابلة للحركة، وظهور الكتب الأولى في "الإنتاج بالجملة"، فسباسانو دا بيستيتشي بائع الكتب الشهير في فلورنسا كان حانقا أشد الحنق أن الكتب لم تعد تكتب باليد، بحيث أغلق محله في نوبة من غضب، وغدا أول شخص في التاريخ تنبأ بموت صناعة الكتاب".
ولعل هذه التنبؤات وغيرها قد يتطرق إليها مؤتمر الناشرين الثاني، الذي تشهده العاصمة تزامنا مع معرض الرياض الدولي للكتاب 2022، وعلى مدى يومين "الثلاثاء والأربعاء المقبلين" سيتناول خبراء وقيادات قطاع النشر الآفاق المستقبلية لهذه الصناعة، من حيث آلية بيع وتداول حقوق الملكية الفكرية، التوزيع وتسويق الكتب، والطباعة والترجمة والنشر، وسبل الاستفادة من التقنيات المتطورة في استدامة صناعة الكتاب.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون