FINANCIAL TIMES

البنوك المركزية تضحي باقتصاداتها نحو الركود

البنوك المركزية تضحي باقتصاداتها نحو الركود

يحتسب المستثمرون ارتفاعا أكثر حدة في أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة بعد أن عقدت البنوك المركزية الكبرى في العالم عزمها على معالجة ارتفاع الأسعار، مشيرة إلى أنها ستعطي الأولوية للتضخم على النمو.
أظهر تحليل أجرته "فاينانشيال تايمز" لمشتقات أسعار الفائدة، متتبعا توقعات تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو، أن الأسواق تتوقع وتيرة تشديد أكثر حدة خلال الربع الأخير من 2022 مقارنة بما كانت عليه في وقت سابق من هذا العام.
يأتي هذا التغير في مزاج السوق قبل اجتماعات السياسة الحاسمة التي يعقدها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنك إنجلترا، والبنوك المركزية في النرويج والسويد، والبنك الوطني السويسري هذا الأسبوع. ويأتي عقب قراءة ضعيفة للتضخم في آب (أغسطس) في الولايات المتحدة وتحذيرات من صانعي السياسة النقدية على جانبي المحيط الأطلسي من أنهم أصبحوا قلقين بصورة متزايدة من صعوبة تحويل مسار التضخم المرتفع، دون زيادات كبيرة في أسعار الفائدة.
قال إيثان هاريس، الخبير الاقتصادي في بانك أوف أمريكا، "تتكيف البنوك المركزية مع مدى صعوبة إعادة التضخم إلى المستوى المستهدف وتحاول نقل هذه الرسالة إلى الأسواق".
التوقعات المتزايدة بأن البنوك المركزية ستزيد أسعار الفائدة حتى لو دخلت اقتصاداتها في ركود، أثارت مخاوف البنك الدولي. حذر البنك الدولي الأسبوع الماضي من أن صانعي السياسات يخاطرون بدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود العام المقبل.
"ستضحي البنوك المركزية بدفع اقتصاداتها إلى الركود في سبيل ضمان عودة التضخم سريعا إلى المعدل المستهدف. إنها تدرك أنها إذا لم تفعل ذلك، وأصبح التضخم مستحكما أكثر، فسيؤدي هذا في النهاية إلى تراجع أكثر حدة"، حسبما قال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في شركة مودي أناليتكس.
منذ حزيران (يونيو)، رفعت البنوك المركزية الـ20 الكبرى في العالم، معا، أسعار الفائدة بمقدار 860 نقطة أساس، وفقا لأبحاث "فاينانشيال تايمز".
بدءا من الجمعة، كانت الأسواق تحتسب احتمالية 25 في المائة أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، وتوقعت أن يتجاوز سعر الفائدة المستهدف على الأموال الفيدرالية 4 في المائة بحلول مطلع العام - أي أعلى نحو نقطة مئوية كاملة مقارنة بأوائل آب (أغسطس).
تتوقع الأسواق أن يصل سعر الفائدة على الودائع لدى البنك المركزي الأوروبي إلى 2 في المائة بحلول نهاية العام، ارتفاعا من 0.75 في المائة الآن. التوقع الأخير أعلى بأكثر من نقطة مئوية واحدة مما توقعه المستثمرون في أوائل آب (أغسطس). قال فيليب لين، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، في مؤتمر عقد نهاية الأسبوع الماضي، إنه يتوقع أن يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة "عدة" مرات أكثر هذا العام وأوائل العام المقبل. كما ذكر أنه من المحتمل أن يتضمن هذا بعض "الألم" من خسارة النمو والوظائف لخفض الطلب، ما يعكس قلق البنك المركزي الأوروبي المتزايد من توسع الضغوط التضخمية من الطاقة والغذاء إلى سلع وخدمات أخرى.
أيضا كانت توقعات أسعار الفائدة في نهاية العام أعلى لبنك إنجلترا، حيث انقسم معظم الاقتصاديين بين ارتفاع بمقدار 50 نقطة أساس و75 نقطة أساس في تصويت الخميس.
من المتوقع أن يرفع البنك المركزي السويسري سعر الفائدة الأساسي بمقدار 75 إلى 100 نقطة أساس الخميس المقبل، منهيا بذلك تجربة استمرت سبعة أعوام مع أسعار فائدة سلبية.
قال بول هولينجسورث، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك بي.إن.بي باريبا، إن البنوك المركزية "تعطي الأولوية بإفراط لدورات لتشديد السياسة النقدية" على الرغم من وجود مؤشرات تدل على ضعف النمو.
جاء تحول كبير في توقعات السوق بعد أن نقل صانعو السياسات، مثل جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وإيزابيل شنابل عضوة المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، رسائل متشددة في مؤتمر جاكسون هول السنوي للاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي أواخر آب (أغسطس).
من جانبه، قال كريشنا جوها، نائب رئيس شركة إيفر كور أي إس أي للاستشارات المصرفية، بعد الاجتماع، "صوت صرير الأسنان الذي تسمعونه هو صوت صانعي السياسات يسحبون رفع أسعار الفائدة الذي كان يتوقع سابقا أن يحدث في 2023 إلى 2022. لقد انتهى بنا المطاف على الصعيد العالمي بشيء - بالنظر إلى 2022 كاملا - سيشبه تحولا مضطرب المستوى أكثر من كونه دورة تقليدية لتشديد السياسة النقدية".
منذ مؤتمر جاكسون هول، أثبت التضخم في الولايات المتحدة أنه أكثر ثباتا مما كان متوقعا، حيث جاء بمعدل سنوي يبلغ 8.3 في المائة في آب (أغسطس). في منطقة اليورو، من المتوقع أن تصل ضغوط الأسعار إلى أرقام زوجية في الأشهر المقبلة. من شأن حزمة دعم الطاقة التي قدمتها حكومة المملكة المتحدة بقيمة 150 مليار جنيه استرليني أن تخفض التضخم على المدى القصير، لكنها ستزيد ضغوط الأسعار على المدى المتوسط من خلال تعزيز الطلب.
أشار مصرفيو البنوك المركزية مثل شنابل إلى أنهم، مع بقاء التضخم قريبا من مستويات قياسية في المستقبل القريب، لم يعودوا مستعدين لوضع ثقتهم في النماذج الاقتصادية التي تظهر انخفاضا في ضغوط الأسعار على مدى العامين المقبلين.
في حين أن معظم التضخم الذي شوهد في أوروبا لا يزال نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة الناجم عن الحرب في أوكرانيا، كانت هناك إشارات متزايدة في كل من منطقة العملة الأوروبية الموحدة والمملكة المتحدة على أن ضغوط الأسعار أصبحت أكثر انتشارا وأشد استحكاما.
ذكرت جنيفر ماكيون، رئيسة الاقتصادات العالمية في شركة كابيتال إيكونوميكس، "عادة ما تنظر البنوك المركزية إلى الأرباح في هذه الأسعار المتقلبة على أنها مؤقتة، لكن في بيئة فيها التضخم الأساسي مرتفع بالفعل وتوقعات التضخم ومفاوضات الأجور يبدو أنهما يتبعان ارتفاع أسعار الطاقة، لا يمكن لصانعي السياسة النقدية تحمل هذه المخاطرة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES