FINANCIAL TIMES

الحقيقة الغائبة وراء معجزة التوظيف البريطانية

الحقيقة الغائبة وراء معجزة التوظيف البريطانية

أين كل العاملين؟ إنه سؤال يصبح محيرا أكثر فأكثر. في بادئ الأمر، إنها بشارة أن معدل البطالة لا يزال ينخفض، فقد وصل للتو إلى أدنى مستوى له منذ 48 عاما في بريطانيا.
لكن هذا يخفي أمرا أقل إيجابية، أعداد متزايدة من الناس تنسحب من سوق العمل تماما.
لطالما روجت حكومة بوريس جونسون بشكل دوري لـ"معجزة" التوظيف، وأن الوقت مناسب بلا شك لتصبح سباكا أو مراهقا يقدم القهوة. لا تزال هناك وظائف شاغرة كثيرة بقدر عدد الباحثين عن عمل، رغم أن أرباب العمل قد قللوها قليلا لأن الاقتصاد أصبح أكثر تقلبا. لكن الضغوط لها تأثيرها، تتكدس الأمتعة في المطارات، في حين يغلق البناؤون والمهندسون المعماريون سجلاتهم أمام عقود جديدة. يكاد بعض المديرين التنفيذيين الذين أتحدث إليهم يدعون ليحدث ركود.
تظهر أحدث الإحصاءات الأخيرة من المكتب الوطني للإحصاء أنه، بشكل مدهش، على الرغم من أزمة تكاليف المعيشة، فإن متوسط ساعات العمل الأسبوعية لم يعد بعد إلى مستوياته قبل الجائحة. في الأشهر الثلاثة حتى تموز (يوليو)، كان هناك انخفاض طفيف في إجمالي التوظيف.
اتضح أن الانخفاض الجديد في معدل البطالة ليس لأن عددا أكثر ممن تراوح أعمارهم بين 16 و65 عاما على رأس العمل، بل لأن مزيدا من الناس لا يبحثون عن عمل. وصل معدل الخمول الاقتصادي لأعلى مستوى له منذ ستة أعوام عند 21.7 في المائة. يرجع ذلك جزئيا إلى أن بعض الطلاب قد مددوا فترة تعليمهم خلال ويلات الجائحة. لكنه يرجع أساسا إلى أن مئات الآلاف من الأشخاص في الـ50 والـ60 يعانون الآن مرضا مزمنا، الذي وفقا لمكتب الإحصاءات الوطني، يعد رقما قياسيا.
من الصعب تجاهل الاستنتاج بأن تراكم أعمال هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية قطعا له الآن تأثير مباشر ومدمر في القوى العاملة. وفقا لبعض التقديرات، يعاني ما يصل إلى 1.5 مليون شخص في المملكة المتحدة كوفيد طويل الأمد، ما بين 10 و20 في المائة من الذين أصيبوا بكوفيد.
مع ذلك، يبدو أن نوع التشديد الذي رأيناه من الحكومات في مكافحة فيروس كوفيد نفسه غائب تماما عندما يتعلق الأمر بآثاره اللاحقة. يبدو أن صناع السياسات يأملون في أن يختفي كوفيد طويل الأمد. لكن أي شخص عاناه، أو يعرف شخصا مصابا به، يعرف أن هذه الحالة يمكن أن تكون معوقة - وأن هناك حاجة ماسة إلى البحث.
عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى دخول المستشفى أثناء الجائحة كان بالتأكيد سيسبب فوضى فيما بعد. لكن في حين رأينا هذا الأسبوع أن الانتظار في الصف هو هوايتنا الوطنية، لا شيء ساحر في الاضطرار إلى الاصطفاف لتلقي الرعاية الصحية الأساسية.
أصبح الأشخاص الذين أجلوا طلب المساعدة الطبية خلال أزمة كوفيد أكثر مرضا الآن مما كان مفترضا. الذين تستمر عملياتهم في التأجيل يفقدون الأمل، وعدد الأشخاص الذين يدفعون للعلاج في القطاع الخاص آخذ في الارتفاع، وآخرون محاصرون في يأس هادئ.
يجب أن يقلق هذا الوزراء - ليس لأنه سخط تام فقط، بل أيضا لأنه تندر عودة من في الـ50 إلى العمل حال تقاعدهم. لا يؤدي اختفاؤهم من سوق العمل إلا إلى زيادة الضغوط التضخمية في الاقتصاد التي تؤججها سوق العمل الضيقة.
في هذا الوضع غير المعتاد، تبدو كلمة "البطالة" غير مرضية إلى حد ما. من المنطقي عادة تحديد عدد الأشخاص الذين ليس لديهم وظيفة لكنهم يرغبون في شغل واحدة، واستبعاد من في سن العمل ممن لا يبحثون عن وظيفة. يميل هؤلاء إلى أن يكونوا طلابا وأرباب بيوت وأولئك الذين يعتنون بأقارب مسنين.
لكن إذا أصبحت أعداد كبيرة عاجزة عن العمل بسبب فشل في الرعاية الصحية، فتلك مسألة مختلفة. إنها تجعل مقياس البطالة الدقيق انعكاسا أقل دقة للقدرة العمالية الفائضة.
لم تساعد هجرة المواطنين الأوروبيين منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خاصة في القطاعات التي اعتمدت في السابق اعتمادا كبيرا على عمالة دول الاتحاد الأوروبي وتجد صعوبة في التكيف. شكا الاتحاد الوطني للمزارعين شكوى مقنعة من تعفن الفواكه والخضراوات في الحقول.
وجد تحليل مفصل الشهر الماضي، أجراه مرصد الهجرة في جامعة أكسفورد، أن كثيرا من القطاعات ذات الأجور المنخفضة - بما في ذلك الرعاية الاجتماعية والبناء والضيافة - تكافح للتكيف مع نهاية حرية التنقل بين دول الاتحاد الأوروبي. حتى قطاعات مثل البناء، المؤهلة للحصول على تأشيرات للعمالة الماهرة، شهدت إقبالا منخفضا.
بريطانيا ليست الدولة الوحيدة التي تشهد معدل بطالة منخفضا ووظائف شاغرة. فيما يتعلق بالهجرة الإجمالية، فإن دخول الوافدين من خارج الاتحاد الأوروبي من 2019 إلى 2021 قد عوض بقدر كبير عدد عمال الاتحاد الأوروبي الذين فقدتهم سوق العمل. مع ذلك، يميل هؤلاء الموظفون من خارج الاتحاد الأوروبي إلى أن يشغلوا وظائف تتطلب مهارات أعلى، وفقا لمرصد الهجرة، لذلك لا يعدون بدلاء يعوضون موظفي الاتحاد الأوروبي المفقودين على أساس موظف مقابل موظف.
كان أحد الأهداف الرئيسة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إنهاء تقليل الأجور بسبب رخص العمالة المهاجرة في الصناعات منخفضة الأجر، وزيادة الإنتاجية. لكن ربما تجاوزت الإجراءات الصارمة على تأشيرات الدخول للعمال في القطاعات ذات الأجور المنخفضة الحدود.
يقول مرصد الهجرة إن أصحاب العمل يقللون الإنتاج. لقد قابلت حتما أصحاب مطاعم يقولون إنهم يضطرون إلى الإغلاق عدة أيام في الأسبوع بسبب نقص الموظفين، على الرغم من طلب الزبائن.
حتى تفشي الجائحة، كان الخمول الاقتصادي في اتجاه هبوطي. غير الائتمان الشامل نظام الإعانات لجعل الأجر مستحقا مقابل العمل، ولتجنب حصول الناس على إعانات للمرض طويل الأجل متى كان ذلك ممكنا. سيكون أمرا فظيعا إذا كنا نهنئ أنفسنا الآن على انخفاض معدلات البطالة، بينما نبقي الناس عاطلين عن العمل دون داع.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES