Author

الصحافة الذكية «2»

|

يرتعش قلم الصحافي حينما يكتب نعيا لصحيفته التي سال لها حبره ونثر فيها إبداعه وتشاطر مع الناس قضاياهم وحوادثهم، لكن "لا بد من صنعا وإن طال السفر"، فرغم محاولات التحوط من إغلاق الصحف وتوفير حلول إنعاشية وتكرار الدعوات من كثير من زملاء المهنة للوقوف إلى جانب مؤسساتهم الإعلامية لكنها محاولات لم تأت بنتائج قطعية، وقد سبقهم إلى ذلك وزير الثقافة البريطاني الذي ظهر مطالبا الناس بشراء الصحف ودعم صحافتهم المحلية بعد أن توقفت نحو 50 صحيفة بريطانية عن الطبع.
إن رحيل المؤسسات الصحافية وغيابها عن المشهد ليس محليا فحسب، إذ شهدت الساحة العربية مغادرة عديد من المؤسسات العريقة، إذ لم يكن وقوع خبر إقفال صحيفة "الحياة" سهلا على مجتمع الصحافة، لأن 70 عاما كانت كفيلة برسخوها في الذاكرة العربية كنافذة خبرية وسياسية لها جمهورها ومريدوها، ولم ينصت أحد لتنبؤات المآل الوشيك الذي طال مثيلاتها، مثل مجموعة الملياردير روبرت مردوخ، التي أقفلت أكثر من 100 صحيفة محلية وإقليمية لتكتمل سلسلة الإغلاقات ووقف الطبع لعشرات الصحف اليومية والأسبوعية في دول عدة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا والأخيرة خفضت حجم نشاطها الإعلامي وتحولت للنشر الرقمي مثل "شبكة 10" في سيدني التي أغلقت موقعها الإخباري ومجموعة الإعلام المجتمعي الأسترالية ACM التي تنشر 170 مطبوعة في أنحاء البلاد، أوقفت طبع أغلب الصحف غير اليومية والمجلات. لكن من كان يتوهم أن الأمر انتهى عند هذا الحد فهو مخطئ لأن الغول ما زال يتمدد على المؤسسات والجهات الإعلامية وإن كان المال السبب فيما سبق، فإن الذكاء الاصطناعي سيكون المسمار الأخير، الذي يدق في نعش البقية الباقية من الصحافة التي ما زالت متماسكة أمام حرب الإعلانات وحيتان شركات التقنية.
أن تتحول المنصات التقنية إلى شركات تقدم خدمات إعلامية وصناعة محتوى باستخدام الذكاء الاصطناعي، والمحتوى هو الرهان الذي بيد سلطة الإعلام الذي من المفترض أن تحافظ عليه وتتمسك به.

إنشرها