Author

استلاب اقتصادي

|

ينتابني إحساس أن هناك استلابا اقتصاديا يمارس على بعض صغار المستثمرين والمضاربين الأفراد في سوق الأسهم السعودية، الصغار لجهة رؤوس أموالهم وحجم محافظهم، استلاب يحاول أن يبقيهم يتعاطون بالأعراف والأفكار والممارسات القديمة نفسها، يصدقون ما يروج له المستفيدون وأصحاب المصلحة من المضاربين الكبار من أن السوق يجب أن تتراجع مؤشراتها، إذا تراجعت مؤشرات الأسواق الأمريكية -على سبيل المثال- وإذا تراجعت أسعار النفط حتى لو تراجعا طفيفا.
هذا الاستلاب في عمقه هو استلاب فكري حيث ينساق الصغار إلى تبني الفكرتين أعلاه حول مؤشر السوق، ما يشكل لهم ما يشبه القيد النفسي الذي يجعلهم ينساقون إلى بيع استثماراتهم الصغيرة، وهي في بعض الحالات مدخراتهم أو وسيلتهم في الادخار الاستثماري، أو أنها البيضة الوحيدة في سلة اقتصادهم الفردي. المفارقة هي أن تأملا هادئا وقراءة واعية للتقارير والأخبار تؤكد أن الاقتصاد السعودي في حال ممتازة وفقا لبيانات حكومية رسمية تعززها بيانات دولية محايدة، وأن هذا الاقتصاد شب عن طوق "التبعية" لأي أسواق أخرى، وبدأ يقطف ثمار رؤيته وتقليص اعتماده على النفط، وهو يحقق نموا رغم تراجع كبرى الاقتصادات في العالم.
ربما لا يزال البعض يعيش ضمن نسق تفكير جمعي شمل كثيرا من الدول النامية خضع إلى ما رسمته القوى الاقتصادية المسيطرة في مراحل تاريخية معينة، وحاولت تكريسه ونجحت في معظم الأحيان من أنها الوحيدة التي "تستطيع" الإنتاج والتحكم في الأسواق، ولعل قراءة بسيطة لما يحدث في بلادنا اليوم يؤكد أننا بتنا إحدى القوى المؤثرة في العالم انطلاقا من قوتنا الذاتية. حين وقعت الأزمة الاقتصادية المرتبطة بجائحة كورونا كان الاقتصاد السعودي في حال صحية جيدة، تأثر نسبيا نعم، لكنه مقارنة بكثير من الاقتصادات في العالم كان ناجحا في تجاوز الأزمة وتبعاتها، والأمر نفسه ينطبق على آثار الأحداث الجيوسياسية الأخيرة التي لا تزال قائمة.
ببساطة، أتمنى أن يعي المستثمر الصغير أن أساسيات الاقتصاد أو الأسهم هي ما يجب أن يحرك السوق، وليس المزاج العام للمشاركين فيه، أو حالتهم المعنوية، التي يدعون أنها تتأثر بانخفاض أسعار النفط وتراجع سوق الأسهم الأمريكية كأشهر سببين لإثارة هلع الصغار، وجعلهم يتخلون عن أسهم ربما ظلوا يجمعونها لأعوام. وكما في الاستلاب الثقافي، يمكن التخلص من الاستلاب الاقتصادي بالقراءة وإمعان العقل في التفكير، فلا يصح أن تكون مستثمرا وأنت لا تقرأ أخبار اقتصاد بلادك، وأخبار الشركات، وتصنع حدسك الخاص، لتحافظ على مدخراتك، وصحتك، ومزاجك.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها