هل تتصدر المملكة عالميا في صناعة البتروكيماويات؟

خلال العام الماضي 2021، أكملت شركة أرامكو السعودية الاستحواذ على حصة 70 في المائة من الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" مقابل 69 مليار دولار، وكلتا الشركتين مملوكة للدولة، فهل سيجعل هذا من "سابك" التغيير في السيطرة على سوق البتروكيماويات، ونظرا إلى أن شركة أرامكو استثمرت قبل ذلك أيضا عشرات المليارات من الدولارات في مشاريعها الكيمياوية الخاصة، فهل هذا يعزز من مكانة "سابك"؟ "سابك" أيضا تخطط إلى زيادة حصتها في شركة Clariant السويسرية لصناعة الكيماويات المختصة من 25 في المائة إلى أكثر من 31 في المائة، وبناء مصنع بتروكيماويات بقيمة عشرة مليارات دولار في تكساس مع ExxonMobil كما ورد ذلك في تصريح رئيسها التنفيذي.
تتبوأ "سابك" حاليا المستوى الرابع عالميا في صناعة البتروكيماويات بمبيعات بلغت 39.45 مليار دولار عام 2021 بعد الشركة الأمريكية داو كيميكال بمبيعات 48.78 مليار دولار، بينما الشركة الثانية عالميا هي سينوبيك بمبيعات بلغت 50.24 مليار دولار، وتتصدر العالم في سوق البتروكيماويات شركة بيسف الألمانية بمبيعات بلغت 76.55 مليار دولار.
مسيرة الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" مسيرة مشرفة، وربما قد آن الأوان باستحواذ عملاق النفط شركة أرامكو على أغلبية أسهمها، قد حان الأوان لتغيير النهج والاسم لتكمل شركة سابك مسيرتها في تصنيع المنتجات الأساسية إلى تصنيع المنتجات الثانوية والنهائية، وتصبح شركة سابك للصناعات البتروكيمياوية، وتنتهي حقبة التصنيع الأولي للصناعات الأساسية والمواد الخام الذي يفقد "سابك" والاقتصاد الوطني كثيرا من الفرص التنموية والاجتماعية.
عند مقارنة شركة بيسف الألمانية الشركة الأولى عالميا بالشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" نجد أن لدى "سابك" مقومات لا تتوافر لدى شركة بيسف، الأخيرة تستورد المواد الخام بالسعر الدولي وتتكلف أسعار النقل والتأمين وتعتمد على توريده اعتمادا كليا، بينما "سابك" تستفيد من الموارد الطبيعية للمملكة بوجود النفط في دولة المصدر ومن شركة شقيقة تمثل معظم رأس المال لدى "سابك"، ومع ذلك مبيعات شركة بيسف بلغت 91 مليار دولار عام 2021 وتعادل قريبا من ضعف مبيعات "سابك"! ويعمل فيها 131 ألف موظف أي أربعة أضعاف الموظفين في "سابك" البالغ عددهم 32 ألف موظف فقط.
إن الأرباح التي تحققها "سابك" لا تعكس حجم الاستثمارات والأصول الحالية، فقد بلغت الأرباح الصافية المحققة عام 2021، 6.6 مليار دولار فقط، بينما إجمالي قيمة الأصول 295 مليار ريال سعودي أو 78.6 مليار دولار مع نهاية عام 2020.
إن هذه المقومات الحالية التي تتميز بها شركة سابك وانتشار نشاطها في العالم الذي يتجاوز 50 دولة، قد تتطلب من الشركة إعادة النظر في هيكل استثماراتها الحالية والتوسع في الصناعات الثانوية والنهائية لمنتجاتها الحالية والدخول في تصنيع منتجات ذات قيم وجدوى أعلى، مثل متطلبات تحلية المياه، التي تتوسع في استثماراتها كل من شركة سينوبيك Sinopec الصينية وشركة الداو الأمريكية، ولا سيما أن المملكة تستورد هذه المنتجات لمحطات التحلية التي تعتمد عليها المملكة ــ بعد الله ــ لتوفير مياه الشرب، وتعد أكبر دولة في العالم في تحلية المياه.
وكذلك التوسع في صناعة أكاسيد البروبيلين/ الستايرين وكذلك بدائل سيانيد الهيدروجين والأسيتون والمبيدات الحشرية والفطرية والبلاستيك القابل للتدوير والتوسع في متطلبات الأسواق الاستهلاكية التي تشمل الغذاء "الأسمدة" والمنتجات الصحية والأدوية والعناية الشخصية وأدوات البناء ومنتجات الفينول والنترات وخامات الأمانول والهالوجينات "الكلور والفلور والكروم واليود". والاستحواذ على بعض الشركات الأوروبية خاصة والصينية والأمريكية مثل شركة LYONDELL BASELL وشريكتهاLiaoning Baolai Enterprise Group التي تأثرت بأزمة كورونا ولديها منتجات وأسواق قائمة ونتائج أبحاث وتطوير منتجات جديدة، وبذلك تنتقل "سابك" لتتصدر المشهد العالمي في الصناعات البتروكيمياوية.
لدى المملكة - ولله الحمد - شركات بتروكيماوية بعضها قديم وبعضها حديث بلغت 15 شركة مثل الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات "سبكيم" تأسست 1999، الشركة المتقدمة للبتروكيماويات والشركة الوطنية للبتروكيماويات والمجموعة السعودية للاستثمار الصناعي، شركة الصحراء، واللجين، ورابغ، وزهرة الواحة، كيان، نماء، شركة ينبع الوطنية وكيمانول وغيرها.. وتستفيد هذه الشركات من وجود الشركة العملاقة سابك التي تمثل العمود الفقري لهذه الصناعة.
وهذه الشركات تعمل في إنتاج الميثانول، والديول، والأسيتيل، والفينيل، والبوليمر، ومنها ما تنتج البروبيلين والإيثيلين والأسيتون، وأكسيد الأمين والكومين والبنزوفينون، ومنها ما تنتج الهيدروكربونات، والألكانات، لكن هذه الشركات التي تمتلك عشرات التريليونات من الريالات لتأسيسها 15 شركة تعمل، بعضها قديم وبعضها حديث أحيانا تتنافس فيما بينها، ولا يوجد تنسيق فعال لتوظيف هذه الاستثمارات بشكل أكثر فاعلية، يمكنها مجتمعة من الريادة العالمية وتبادل الأدوار وتغطية حاجة السوق المحلية والإقليمية، باعتبارها أولوية، مع أن الأمر يتطلب من هذه الشركات أن تعمل بتناغم وتنسيق فيما بينها وبين "سابك" الأم لتحقيق الريادة العالمية ودرء المنافسة السلبية التي تحد من توسعها جميعا.
إن التوجه لتعظيم الفائدة من النفط الخام الذي تعتمده "الرؤية السعودية" بمزيد من تصنيعه وتحويله إلى منتجات ثانوية ونهائية وتصديرها، ينسجم مع التوجهات العالمية في الدول العظمى التي تستهدف في خططها واستراتيجياتها المستقبلية التحول إلى الطاقة الكهربائية في السيارات والطائرات والقطارات، وإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية اللامتناهية وطاقتي الرياح والطاقة الشمسية، ويقلل من أثر ذلك في الاقتصاد الوطني مستقبلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي