Author

حوارات ثمينة في أماكن العمل

|
بيئة العمل غنية بالتواصل المستمر ذي الزخم المرتفع. والتواصل الفاعل شرط من شروط نجاح المنظمة لتحقق أهدافها، لأن قدراتها كمنظمة مشروطة بتعاون وتجانس مكوناتها، والمكون البشري يأتي في المقدمة دائما. تعد الحوارات أحد أشكال التواصل وتتميز في العادة عن غيرها بأنها تصل إلى عمق معتبر، قد تغطي موضوعا معقدا، وتكون في معظم الأحيان أطول من التواصل المبني على الإخبار ومجرد نقل المعلومة. ويمكن تصنيف الحوارات في أماكن العمل من حيث الفائدة والمردود الإيجابي لها، فهناك حوارات مفيدة، وأخرى مضرة، ومجموعة لا تقع هنا ولا هناك.
يأتي الحوار المفيد في أماكن العمل على أشكال عدة، هناك ما يكون لحل مشكلة أو مواجهة تحد، وهذا يحدث في العادة بين أشخاص يشتركون في الاهتمام أو المسؤولية حول هذه المشكلة وقد يتبعون مستويات إدارية مختلفة. وهو حوار عملي موضوعي سريع في الغالب، لأن إثبات خلاصته قائم على تجربة أحد المتحدثين أو فريقه معالجة أو ممارسة معينة للتعامل مع التحدي المنظور. وهناك حوار تفسيري ينظر في العادة إلى ظروف تاريخية معينة أو حادثة حصلت أخيرا في مقر العمل، ويحدث مثل هذا بين أشخاص متعلقين وربما غير متعلقين بموضوع الحادثة، ولا يكون موضوعيا بالضرورة وتراوح نتائجه بين التعلم من الفشل والأخطاء وبين إسقاط التهم أو على الأقل إثارة الظنون، لذلك يسهل خروج هذا النوع من الحوارات عن المسار وإذا لم يضبط يتحول من حوار مفيد يحصل عن طريقه التعلم إلى حوار سلبي يؤخر أو يضعف من قدرات الأشخاص والمنظومة.
وهناك حوار تحقيقي - إن صح التعبير - وهو أحد أشكال الحوار التفسيري، وهذا النوع إذا اتسم بالمهنية والهدوء بقي في صفته كأحد أشكال الحوار. أما إذا اتجه إلى عدم التكافؤ ودخل باب التأنيب والتوبيخ والهجوم والخصومة، خرج أساسا من تعريف الحوار وأصبح شكلا آخر من أشكال التواصل. وهو يحدث في العادة بين عدد أقل من الأشخاص وربما بين اثنين فقط أو شخص واحد لديه سلطة وبين مجموعة صغيرة من الأفراد. ولأن المنظمات وأماكن العمل قائمة على تلاقح الأفكار، هناك حوارات للتعرف على الأفكار وهي تحدث بشكل مستمر أسهلها وصفا ما يحدث عندما يقترح أحدهم فكرة ويحاول شرح قيمتها وطريقة تنفيذها وهدفها لشخص أو لمجموعة من الأشخاص. وهذه في الأغلب ما تحدث فيها إثارة أو جذب للفكرة ولفت الانتباه إليها ثم عرضها حسب أسلوب العارض، ثم جولات من تفنيد مميزاتها ونقد جوانبها المختلفة، وقد تخرج بقبول واسع أو انتقاد شديد أو حالة من التأرجح المؤقت إلى حين آخر.
ومن أثمن الحوارات في أماكن العمل تلك الحوارات الذكية المبنية على أسس فكرية ومعرفية متخصصة، وتجمع أفرادا من خلفيات مختلفة لكنهم يشتركون في الهدف. وعادة ما يكون فيها عدد من الحقائق والاعتبارات المفاجئة، لأن كلا من المتحاورين عميق في بحره، ضليع في عمله ومعرفته، وتتحقق القيمة أكثر كلما أجاد المتحاوران آداب الحوار وحافظا على الاندماج والاستمتاع بأسلوب الحوار. وعادة تحدث هذه الحوارات وتصبح أكثر قيمة إذا كانت تربط بين الماضي والمستقبل، إذ تستقي شيئا من التعلم الذي حصل في وقت مضى، لكن لها طبيعة تنبؤية استشرافية وفق الموضوع الذي يتم تناوله.
وبمثل هذه الحوارات ترتقي المنظمة وتحقق قيمتها الأهم، لأن هذا النوع من الحوارات يرفع العقل الجمعي للمكان ويجعل مخرجاته تفوق مدخلاته.
ولا تنحصر هذه الحوارات الثمينة جدا في الأمور الاستراتيجية أو المهمة فقط، قد تكون في أمر صغير جدا لكنه مؤثرا، مثل النقاش الذي يحصل بين الطباخ ومسؤول المختبر حول أثر تفاعل كيميائي معين في حموضة الطعام، وقد تكون إدارية سلوكية لا قاعدة لها، مثل نقاش بين تنفيذي خبير وبين مختص في الموارد البشرية حول أثر المنافع غير المالية في استبقاء الموظفين.
وقد تكون في أمور استراتيجية تستحق الاستكشاف والتجربة، أو في أفكار إبداعية جديدة تبحث عن شجاعة الحوار وجسارة التنفيذ. التحدي الكبير في مثل هذه الحوارات خصوصا المثال الأخير، هو ترحيب بيئة العمل بها. ترتقي المنظمات برقي حواراتها الداخلية، لكن لا يحدث ذلك في كل مكان.
ربما كانت السمة السائدة خليط بين أنواع الحوارات الثلاثة مع سيطرة للنوع المحايد الذي لا يضيف ولا ينقص من الكيان بشكل واضح، وإن كان أثر مثل هذا سلبيا في المدى الطويل. أما الحوارات الثمينة فتتطلب استثمارا وانفتاحية وشجاعة في تصميم بيئة العمل لتحفيز هذا الشكل المهم من أشكال التواصل.
إنشرها