Author

منارة عالمية لمكافحة الفساد

|
الفساد بجميع أنواعه المالي والإداري، كالرشوة والواسطة واستغلال النفوذ، سرطان يصيب الدول في مقتل، حيث يسهل سرقة المال العام، ويعطل مشاريع التنمية والخدمات أو يجعلها تنفذ بطريقة رديئة ومرتجلة، ويعين في الوظائف غير الأكفاء ويحرم المتفوقين والمخلصين من تولي قيادة منظومة التنمية. ولقد عانت معظم دول العالم الثالث هذا الداء خلال العقود الماضية، والأخطر من ذلك كله، ظهور ممارسات تتعلق بتمويل الإرهاب وغسل الأموال القذرة.
وبدأت محاولات لمواجهة كل مظاهر الفساد، لكنها ظلت في بعض الدول شعارات ترفع دون جدية في التنفيذ، خاصة إذا تعلق الأمر بأصحاب الوجاهة والنفوذ.
وفي بلادنا، وضمن الإصلاحات الجوهرية التي شملت مختلف القطاعات بتوجيه واهتمام من الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبإشراف شخصي مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أعلنت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ثم صادق مجلس الوزراء على تنظيم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد «نزاهة» عام 2011، وكانت السعودية قد صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2002. وهكذا، اكتملت جميع الجوانب القانونية، وانطلقت مسيرة مكافحة الفساد بعزم وقوة وفي اتجاهين تقوم بهما الهيئة، وهما: الجانب الوقائي الذي يتمثل في قطاع حماية النزاهة، وكذلك الجانب العلاجي الذي يقوم عليه قطاع مكافحة الفساد. وتم توفير قنوات الاتصال مع الجمهور للإبلاغ عن قضايا الفساد، وأسهم تعاون الجمهور في توفير بلاغات مهمة لمحاصرة الفاسدين في مختلف المجالات. وحققت المملكة عام 2021 أعلى درجات الالتزام بالتوصيات المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهذه التوصيات وضعتها منظمات إقليمية ودولية متخصصة، فكان ترتيبها الأول عربيا وأحد المراكز العشرة الأولى في مجموعة العشرين.
ومن الأحداث المهمة في مجال مكافحة الفساد عالميا أن السعودية عقدت في ظل رئاستها دول مجموعة العشرين خلال عام 2020 الاجتماع الوزاري الأول من نوعه للوزراء المعنيين بمكافحة الفساد في دول المجموعة.
ويعد البيان الصادر عن الاجتماع خريطة طريق لدول المجموعة في مجال مكافحة الفساد.
ومن أهم التوصيات، حرمان المتورطين في الفساد من الملاذ الآمن واسترداد الموجودات والرشوة الأجنبية. وتبنت دول الخليج العربية البيان وثيقة رسمية استرشادية.
وأخيرا، يتابع المواطن في بلادنا بيانات هيئة مكافحة الفساد التي تصدر شهريا بكل فخر واطمئنان إلى مستقبل أفضل لحفظ المال العام، وتطبيق الأنظمة، وتنفيذ المشاريع، وتقديم الخدمات، وفق أعلى المستويات لتحقيق الأهداف التي رسمتها القيادة، كما يزداد المواطن فخرا أن بلاده أصبحت مضرب المثل ومنارة عالمية لمكافحة الفساد. ووقعت الأسبوع الماضي، كما ورد في بيان مجلس الوزراء، عدة مذكرات تفاهم مع دول شقيقة للاستفادة من التجربة السعودية في هذا المجال. ويبقى بعد ذلك أن تركز هيئة «نزاهة» على الجانب الوقائي، بحيث تزود وسائل الإعلام ببرامج توعوية يعدها المختصون في الهيئة لنشر ثقافة النزاهة والبعد عن مجرد الاقتراب من شبهة الفساد، ويمكن أن تشمل هذه البرامج، بالتعاون مع وزارة التعليم، نشر ثقافة النزاهة بين طلاب المدارس والجامعات، الذين هم مسؤولو المستقبل في القطاعين العام والخاص.
إنشرها