Author

محاربة المخدرات لتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

لا شك أن المخدرات اليوم من أخطر الجرائم التي تتم محاربتها على مستوى العالم لما لها من أخطار على الفرد والمجتمع، ورغم أنها من المسائل المستجدة في الفقه الإسلامي إلا أن العلماء يكادون يجمعون على تحريمها، وهي حالة نادرة في تاريخ الفقه الإسلامي لما لهذه المادة من خطر شديد على الشباب ومستقبلهم، إذ لا يقف ضررها على الفرد نفسه، بل يتجاوز ذلك إلى مختلف فئات المجتمع باعتبار أن هذه المادة السيئة تجعل متناولها ومهربها ومروجها يمارس أبشع الجرائم من انتهاك للدماء والأعراض والأموال، وهي مقاصد حمتها الشريعة الإسلامية حفظا على المجتمع المسلم وتنقية له من كل ما يؤدي إلى فساده وتأخره وتخلفه.
لا شك أن جهود المديرية العامة لمكافحة المخدرات، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، مهمة وكبيرة وعظيمة وتسهم في حماية المجتمع من شر كبير يصل إلى الأنفس والأموال والأعراض، ومنها الأخبار التي أعلنت الكشف عن تهريب كميات هائلة من الأمفيتامين التي بلغ عددها نحو 47 مليون قرص من هذه المادة المخدرة، التي يمكن لها أن تدمر مستقبل أعداد كبيرة من الشباب، في مشهد يؤكد كفاءة واحترافية المؤسسة الأمنية والجهات المساندة لها للوصول إلى مصدر تلك المادة المخدرة، وهذه ليست الحالة الأولى التي يتم من خلالها تهريب هذه الكميات الكبيرة، بل سبقها كثير من الحالات التي تستهدف أمن واستقرار هذا الوطن وتدمير شبابه، إضافة إلى استغلال هذا الحراك الاقتصادي، حيث يتوقع هؤلاء المجرمون أن يحققوا أرباحا هائلة من خلال ابتزاز الشباب وترويج المخدرات بينهم، كما أن هذه الحملات تحاول يائسة تفكيك الروابط التي يتمتع بها المجتمع ووحدته وحبه لوطنه والتزامه بما أمر الله.
لا شك أن هذه الجهود تستحق الإشادة من الجميع، ومن المهم في هذه المرحلة أن يكون هناك وعي بين أفراد المجتمع لخطورة هذه المواد وانتشارها، وأن التهاون في مواجهتها يجعل الجميع مهددا بآثارها، حيث يمكن أن يكون هذا الخطر من خلال انتشارها بين الأبناء أو انعكاساتها التي قد يواجهها البعض، سواء من خلال تهور بعض الشباب في القيادة في الطرق العامة، أو من خلال تشكيل مجموعات للإضرار بأمن وسلامة المواطنين والاعتداء على أموالهم. حيث إن إدمان هذه المادة يدفع البعض إلى البحث عن مصادر مالية ليتمكن من شرائها، خصوصا أن من يبتلى بها يصعب عليه العمل في وظائف ويستقر فيها، حتى لو كان موظفا وله دخل ثابت، فإن تكلفة هذه المادة الخطرة عالية، وبالتالي لن يكفيه دخله وسيبحث عن تحصيل الأموال عن طريق السرقة أو الطرق غير المشروعة، سواء بالابتزاز أو التهديد، كما ستكتوي أسرته بناء على هذا الإدمان بسبب عدم القدرة على المساهمة في مصاريف أسرته والتهديد المستمر الذي ستتلقاه.
المجتمع عليه مسؤولية في محاربة هذه الآفة وعدم التستر على متناولها ومروجها ومهربها، ومهما كان حجم الألم بسبب العقوبة التي يمكن أن تصيبه، إلا أن خطر عدم الإبلاغ عنه يصل إلى أقرب المقربين له وتهديد كبير للدائرة المقربة له من أقربائه وأبنائه، وقد يتضاعف حجم الألم بالتستر عليه، سواء بانضمام آخر من الأسرة للإدمان أو بالوقوع في جريمة مع أقرب المقربين له، إذ إن الإدمان على مثل هذه المواد يجعل الإنسان أسيرا لها لا ينفك عنها.
لا شك أن الباعث لكتابة المقال هو الشعور بالامتنان والتعبير عن الشكر والعرفان لكل من له دور في محاربة هذه الآفة، من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى كل مسؤول في القطاع الأمني، لمساهمتهم في الحد من انتشار هذه المخدرات، رغم ما نراه من صعوبات تتعلق باكتشاف مهربيها، خصوصا مع ضخامة حجم الاقتصاد والصادرات والواردات، سواء كانت لداخل المملكة أو لدول المنطقة، إذ ترتبط بحدود مع ثماني دول ولها حدود واسعة على ساحل البحر الأحمر والخليج العربي.
خطورة المواد المخدرة كبيرة على الاقتصاد الوطني، حيث تعد أحد أكثر وسائل تسرب الأموال لخارج البلاد، كما أنها تسهم في تعطيل جزء من أفراد المجتمع عن العمل والإنتاج، ونحن في مرحلة يتطلع المجتمع إلى بناء مزيد من الكفاءات للإسهام في نهضة البلاد واقتصادها.
الخلاصة، إن آفة المخدرات هدم للدين والأمن والقيم والاقتصاد، والجهود الكبيرة للجهات الأمنية كان لها الأثر الكبير في سلامة أبنائنا من الوقوع في براثن هذه الآفة، ومن المهم أن يكون المجتمع حاضرا - باعتبار أن المواطن رجل الأمن الأول - من خلال المساهمة بكل ما يؤدي إلى الحد من انتشارها وتوعية الأبناء بخطر المخدرات، وكل ما يؤثر في سلامة وعقل وحياة المواطن واقتصاد الوطن.

إنشرها